منا هذا مع أن ارتكاب التقييد بالنسبة إلى الآية الشريفة وما هو بمنزلتها بمثل هذه الرواية في حد ذاتها مشكل جدا لان ذكر الاغتسال غاية للنهي يؤكد اطلاقه ويدل على انحصار السبب المبيح بالغسل فلا يساعد العرف على الجمع بينهما بتقييد اطلاق النهى وتنزيل الغاية المذكورة في الآية على كونها أحد فردي الغسلة المبيحة الا ترى ان قولنا لا يجوز للجنب ان يدخل في المسجد حتى يغتسل ويجوز للجنب ان يتوضأ ويدخل في المسجد يعد في العرف متنافيا وكيف كان فهذه الرواية بعد اعراض الأصحاب عنها ومخالفتها لظاهر الكتاب والسنة المستفيضة وموافقتها لمذهب بعض العامة مما يجب رد علمه إلى أهله وقد صرح المصنف [ره] في محكى المعتبر بعد نقل الرواية بأنها متروكة بين أصحابنا لأنها منافية لظاهر التنزيل انتهى نعم يظهر من الصدوق [ره] العمل بمضمونها حيث قال فيما حكى عنه بعد أن ذكر ان الجنب والحائض لا يجوز ان يدخلا المسجد الا مجتازين ولا بأس ان يختضب الجنب أو يجنب وهو مختضب إلى أن قال وينام في المسجد ويمر فيه ولكنك خبير بأنه لا يخرج الرواية بذلك من الشذوذ بحيث تصلح لتخصيص سائر الأدلة التي كادت تكون صريحة في العموم بل لا يبعد دعوى القطع بإرادة مورد الاجتماع أعني نوم الجنب في المسجد من بعض هذه الأدلة التي ورد فيها النهى عن بيتوتة الجنب في المسجد هذا مع أن المحكى عن الصدوق غير منطبق على تمام مدلول الرواية حيث لم يوجب الوضوء في ظاهر كلامه مع كونه مذكورا في الرواية فهذا القول أيضا كسابقه ضعيف والله العالم وقد أشرنا إلى أن مقتضى عموم الآية وجملة من الأدلة حرمة كون الجنب في المسجد [مط] ما لم يصدق عليه اسم المرور والاجتياز ولكنه حكى عن بعض القول بجواز بقائه في المسجد ماشيا في جوانبه من غير مكث ولا جلوس والذي يمكن ان يستدل له في ذلك امر ان أحدهما دعوى صدق المرور والاجتياز عرفا على مطلق المشي * (وفيها) * منع ظاهر ولا أقل من انصراف اطلاق عابري سبيل ونحوه عن مثل ذلك * (وثانيهما) * الالتزام باختصاص الحرمة بالجلوس دون مطلق الكون كما وقع التعبير به في جملة من عبائر القوم ومنشأ توهم الاختصاص تعلق النهى بالجلوس في مقابل المشي والمرور في عدة من الاخبار ففي رواية جميل عن الصادق (ع) قال للجنب ان يمشي في المساجد كلها ولا يجلس فيها الا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ورواية محمد بن حمران عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الجنب يجلس في المسجد قال لا ولكن يمر فيه الا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وصحيحة جميل عن أبي عبد الله (ع) عن الجنب يجلس في المساجد قال لا ولكن يمر فيها كلها الا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وفي رواية أبى حمزة عن أبي جعفر (ع) ولا بأس ان يمر أي الجنب في سائر المساجد ولا يجلس في شئ من المساجد إلى غير ذلك من الاخبار وفيه أن استدراك المرور بعد النهى عن الجلوس فيما عدا الرواية الأولى من هذه الأخبار دليل على اختصاص الجواز بالمرور وهو لا يصدق عرفا على مطلق المشي واما الرواية الأولى فإن لم نقل بانصراف المشي فيها في حد ذاتها إلى المشي الذي يتحقق به المرور والاجتياز فلابد بعد تسليم سندها من صرفه إلى ذلك جمعا بينها وبين سائر الأدلة لان تقييد المشي بما يتحقق به المرور والاجتياز أهون من تخصيص العمومات والظاهر عدم صدق المرور والعبور الذي ثبت الرخصة فيه في النصوص والفتاوى على الدخول من باب والخروج منه بل يتوقف تحقق عنوانه عرفا على الخروج من باب آخر وعلى تقدير الشك فالمرجع أصالة البراءة لا العمومات الناهية لان اجمال المخصص يسرى إلى عموم العام فلا يجوز التشبث به في مورد الشك وكون المخصص المجمل مرددا بين الأقل والأكثر انما يجدى في الاقتصار على الأقل إذا كان في كلام منفصل لا في مثل المقام ويحرم عليه أيضا وضع شئ فيها دون الاخذ منها الصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد الا مجتازين إلى أن قال ويأخذ ان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا قال زرارة قلت فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه قال لأنهما لا يقدران على اخذ ما فيه الا منه ويقدر ان على وضع ما بيدهما في غيره وصحيحة عبد الله بن سنان قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه قال نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئا وهل يحرم الوضع لذاته أو لأجل استلزامه الدخول واللبث في المسجد ظاهر كلماتهم حيث أفردوه بالذكر وجعلوه قسيما للدخول هو الأول بل عن بعضهم التصريح بذلك والالتزام بحرمة الوضع حتى من خارج المسجد والذي قواه شيخ مشايخنا [قده] في جواهره هو الثاني وحكى التصريح به عن ابن فهد حيث قال إن المراد بالوضع الوضع المستلزم للدخول واللبث لان الرخصة في الاجتياز خاصة فلا يباح الدخول لغير غرض الاجتياز انتهى ويظهر إرادة هذا المعنى من كل من استدل له بعموم قوله تعالى ولا جنبا الا عابري سبيل كالمصنف في المعتبر و العلامة في بعض كتبه على ما حكى عنهما كمالا يخفى وجهه وكيف كان فهذا هو الأقوى لأنه هو الذي ينسبق إلى الذهن من الروايتين إذا المتبادر من سؤال السائل في صحيحة ابن سنان انما هو السؤال عن دخوله لان يتناول المتاع فقوله (ع) نعم يدل على جواز ذلك وقوله ولكن لا يضعان في المسجد شيئا معناه بقرينة المقابلة انهما لا يدخلان لان يضعا فيه شيئا وكذا المتبادر من التعليل في صحيحة زرارة ليس إلا ان الضرورة العرفية أباحت له الدخول للاخذ دون الوضع حيث لا ضرورة فيه فلو جعلناها علة لحرمة الوضع وجواز الاخذ في حد ذاتهما للزم حمل العلة على التعبد إذ لا نتعقل عليته عدد الضرورة لحرمة الوضع إذ كثير من الأفعال لا يضطر إليه الجنب ولا يحرم عليه وتنزيل العلة على التعبد بعيد
(٢٣٣)