بوجوب الإطاعة لا يكفي في إفادة كون النية شرطا في الواجبات هذا ولكن لتماثل أن يقول إن هذا فيما إذا لم يقصد من الامر بالإطاعة الا البعث والتحريك على الخروج من عهدة تلك الأوامر على حسب ما كان العقل حاكما بوجوبه واما لو أريد به الوجوب الغيري وبيان كون المقصود بتلك الأوامر ايجاد متعلقاتها بعنوان الإطاعة كما هو مقصود المستدل فليس وجوبها الا شرعيا مولويا كما تقدمت الإشارة إليه في صدر المبحث * (بل) * وكذا لو أريد اثبات وجوبها لذاتها لا لكونها وصلة إلى حصول المأمور به بان تكون نفس الإطاعة من حيث هي محبوبة للمولى ومتعلق أوامره أيضا كذلك فيجب [ح] على المكلف مهما أمكن حفظ أوامر المولى عن السقوط بلا حصول عنوان الإطاعة مقدمة لامتثال الامر بالإطاعة فلو قصر في ذلك إلى أن تحقق ذات المأمور به استحق المؤاخذة بمخالفة الامر بالإطاعة دون الامر المتعلق بذات الشئ الذي سقط بحصول متعلقه * (فالأولى) * في الجواب عن الآية هو ما أشرنا إليه من أن المتبادر منها كونها ارشادا إلى ما يستقل به العقل نظير قول الوعاظ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولو سلم ظهورها في الطلب المولوي فالمتبادر منها هو المعنى الثاني أي كونها مطلوبة بالذات لا بالغير فان الأصل في الواجبات كونها نفسية لا غيرية وهو خلاف مقصد المستدل واما قوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة فهي ظاهرة في إرادة التوحيد ونفى الشرك كما يشهد كلمات جماعة من المفسرين على ما حكاه عنهم شيخنا المرتضى [ره] ويؤيده كون الآية مسوقة في عداد الآيات المسوقة لبيان أحوال الكفار و المشركين فالمراد بالعبادة في الآية ككثير من الموارد التي تعلق الامر بها هو الاعتراف والتدين بالعبودية لله بلا شريك فاللام اما بمعنى الباء كما في قوله [تعالى] وأمرنا لنسلم لرب العالمين كما يشهد لذلك عطف إقامة الصلاة وايتاء الزكاة فان المنساق إلى الذهن إرادة تعلق الامر بهما لا كونهما غايتين لسائر الأوامر فيكون الحصر إضافيا كما في قوله تعالى قل انما أمرت ان ا عبد الله ولا أشرك به أو انها للغاية ولكنها أجنبية عما اراده المستدل ولو سلم ظهورها في إرادة العبادة بالمعنى المصطلح التي هي اثر التدين بالعبودية وكونها بهذا المعنى غاية لجميع الأوامر كما اراده المستدل فهو أيضا لا يجديه في اثبات مطلبه لان جعل العبادة بهذا المعنى غاية لجميع الأوامر لا يدل على أن الغرض تعلق في الجميع بايجادها بداعي الامر لصدق القضية على الواجبات التوصلية التي وجبت مقدمة للعبادة هذا * (مع) * ان كون العبادة عن اخلاص غاية للامر كما هو مفاد الآية غير كونها شرطا لصحة المأمور به كما هو المدعى اللهم الا ان يقال إن قصر الغرض على ذلك كما هو ظاهر الآية يستلزم الاشتراط لأنه إذا لم يكن المقصود بالطلب الا ايجاد المطلوب بوجه خاص يكون ايجاده لا بهذا الوجه مخالفا للمأمور به الواقعي الذي تعلق به الغرض من الامر فلا يصح * (واما) * الاخبار ففيها انه يتعذر تطبيقها على ما اراده المستدل فضلا عن ظهورها فيه قال شيخنا المرتضى [ره] * (واما) * الاخبار فحملها على ظاهرها ممتنع وعلى نفى الصحة بمعنى ترتب الأثر موجب للتخصيص الملحق للكلام بالهذل الا ان يراد من النية مطلق قصد الفعل فيراد من الروايات ان الفعل الغير المقصود لا يعد من اعمال الفاعل لأنه صادر من غير قصده وإرادته فان من أكرم رجلا لا بقصد انه زيد لم يكن اكرام زيد بهذا العنوان من أفعاله الاختيارية فالعمل عمل من حيث العنوان المقصود دون غيره من العناوين الغير المقصودة لكن هذا المقدار لا ينفع فيما نحن فيه لأنا نطالب بدليل وجوب كون الوضوء بعنوانه الخاص عملا اختياريا للمكلف لم لا يكتفى كغسل الثوب بحصوله من المكلف ولو من دون قصد لعنوانه بان يقصد الفعل لعنوان آخر فيتبعه حصول هذا العنوان من دون قصد فدعوى بقاء هذه الأخبار على ظواهرها من إرادة الحقيقة والتمسك بها نحن فيه خطأ فاحش مع أن إرادة ظاهرها يشبه الاخبار عن الواضحات مع أن في بعض تلك الروايات ما يمنع من ذلك مثل قوله (ع) لا قول الا بالعمل ولا عمل الا بنية ولا نية الا بإصابة السنة وفي آخر لا قول ولا عمل ولا نية الا بإصابة السنة فالأظهر في هذه الأخبار عمل النبويين منها على إرادة نفى الجزاء على الاعمال الا بحسب النية فالعمل لا يكون عملا للعبد يكتب له أو عليه الا بحسب نيته فإذا لم يكن له نية فيه لم يكتب أصلا وإذا نوى كتب على حسب ما نواه حسنا أو سيئا واما قوله (ع) لاعمل الا بنية فالظاهر منه إرادة العمل الصالح وهي العبادة المنبعثة عن اعتقاد النفع فيه * (انتهى) * كلامه رفع مقامه أقول الظاهر أن مراده [ره] من العنوان الخاص هو العنوان الذي وقع في حين الامر من حيث كونه مأمورا به والا فقد عرفت فيما سبق ان إقامة البرهان على إرادة كون الغسل مثلا بعنوان كونه غسلا اختياريا أيضا لا ينفع المستدل في اثبات مدعاه فليتأمل * (المرحلة الثانية) * في بيان مهية النية وهي لغة وعرفا بل وشرعا إرادة الشئ والعزم عليه والقصد إليه عن الصحاح نويت كذا إذا عزمت عليه وفي المجمع النية هي القصد و العزم على الفعل هذا اجمالا مما لا اشكال فيه بل ولا خلاف ظاهرا في ذلك * (واما) * ما نسب إلى المشهور من أن النية عندهم هي الصورة المخطرة بالبال وانها حديث نفسي ممتد وانها عندهم مركبة لا بسيطة فهو على الظاهر اشتباه نشأ من الغفلة عن فهم مرادهم فان مقصودهم بحسب الظاهر أن النية عبارة عن الإرادة التفصيلية المنبعثة عن تصور الفعل وغايته فالصورة المخطرة مقدمة للنية لا نفسها كما يشهد لذلك ما في كلماتهم من تفسيرها بأنها إرادة تفعل بالقلب واما الامر المغروس في الذهن الباقي في النفس الموجب لاتصاف مجموع العمل بكونه
(٩٨)