المولى بان كان الباعث على فعله امره سواء كان امره بالفعل لاحراز مصلحة نفسه من حيث هي أو لكون هذه المصلحة الراجحة ذاتا من مقدمات محبوب آخر واما ما يقال من أن العقلاء كافة مطبقون على أن الاتيان بواجب واحد يتوقف على مقدمات عديدة و لو بلغ ما بلغ إطاعة واحدة وامتثال واحد * (ففيه) * انه لو سلم ففيما إذا لم تكن للمقدمات بذواتها محبوبية ذاتية والا فاطباق العقلاء على خلاف ما قيل فان لاطاعة المقدمات الراجحة ذاتا بنظرهم نحو ملحوظية واعتبار بل لا يرتابون بعد علمهم بعدم توقف مصلحة المقدمة وحسنها على ترتب فعل الغير عليها بل الغير يتوقف عليها في حسنه في أن فعل المقدمة بنفسه سبب تام لاستحقاق الأجر والثواب وإن لم يأت بذيها أصلا نعم لو اتى بذي المقدمة كما في مسألة الاعتكاف انتسب الثواب إلى الاعتكاف لا لعدم سببية الصوم للثواب بل للزوم اشتمال ثواب الاعتكاف على ما يستحقه لأجل الصوم وسائر أفعاله فلو صام يوما مثلا فبدا له ابطال الاعتكاف يستحق اجر صومه مستقلا وان كان ناويا بفعله المقدمية بل الحق ان إطاعة الشارع مطلقا من الجهات المحسنة للفعل المقتضية للمدح والثواب من غير فرق بين الأوامر النفسية والغيرية ولذا شاع في الألسن وارتكز في الأذهان من حسن ايقاع المباحات على جهة العبادة بجعلها مقدمة لعبادة واستحقاق الاجر بذلك نعم لا يبعد ان يكون ذلك مشروطا لدى العقل بترتيب ذي المقدمة عليها وعدم نقض اثرها اختيارا فليتأمل * (تنبيه) * ومما يؤيد ما حققناه انفا من عدم كون الوضوء الرافع قسما خاصا من الوضوء حتى يعتبر تمييزه في القصد بل يدل عليه الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها اتحاد مهية الوضوء وكون رفع الحدث و استباحة الدخول في الصلاة من اثاره ولوازمه * (منها) * قوله (ع) حكاية للحديث القدسي من أحدث فلم يتوضأ فقد جفاني ومن أحدث وتوضأ ولم يصل ركعتين فقد جفاني ومن أحدث وتوضأ وصلى ركعتين ودعاني ولم أجبه فيما سألني من امر دينه ودنياه فقد جفوته ولست برب جاف فان الظاهر من هذه الرواية استحباب الوضوء عقيب الحدث وارتفاع الحدث به وإن لم يكن غرضه فعل الصلاة وان فعل الصلاة عقيبه مستحب آخر * (ومنها) * ما ورد في غير واحد من الاخبار من التعبير عن مطلق الوضوء بالطهور مثل قوله (ع) الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا وفي خبر اخر الطهر على الطهر عشر حسنات * (ومنها) * ما عن الأمالي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم يا انس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك وان استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل فإنك تكون إذا مت على طهارة شهيدا ومما يدل أيضا على المطلوب ما ورد في علة الامر بالوضوء للصلاة من قول أبى الحسن الرضا (ع) وانما أمروا بالوضوء وبدء به لان يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه مطيعا له فيما امره نقيا من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار فان الرواية ظاهرة في أن رفع الحدث من قبيل الخاصية المترتبة على ذات الوضوء وهو المنشأ للامر به فيلزمه ان يكن مهية الوضوء في حد ذاتها رافعة للحدث والظاهر أن الامر بالوضوء في جميع الموارد انما هو بلحاظ هذه الخاصية الكامنة فيه فالامر به لقراءة القران أو دخول المساجد أو تكفين الأموات أو غيرها من الغايات انما هو لرجحان وقوعها من مرفوع الحدث كما يدل على ذلك التعبير عنه بالطهور لا غلب غاياته مثل قوله (ع) من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده وقوله (ع) لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام الا على طهور إلى غير ذلك من الاخبار التي تدل على أن مطلوبيته لغاياته بلحاظ اثره الذي هو الطهارة بل لا يتبادر من الامر بالوضوء لشئ في أذهان المتشرعة الا رجحان ذلك الشئ متطهرا فالوضوء على ما هو المغروس في أذهانهم طبيعة واحدة اثرها رفع الحدث بل في الحدائق ان الأخبار الواردة مستندة للوضوءات المستحبة كلها الا ما شذ بلفظ الطهر أو الطهور أو الطهارة ومن الظاهر البين اعتبار معنى الزوال أو الإزالة في لازم هذه المادة ومتعديها لغة وشرعا فلا معنى لكون الوضوء مطهرا أو طهورا أو نحوهما الا كونه مزيلا للحدث الموجود قبله وإلا فلا معنى لهذه التسمية بالكلية ومن ثم صرحوا بان الطهارة لغة النظافة وشرعا حقيقة في رافع الحدث واما الوضوء الجامع للحدث الأكبر فقرينة التجوز فيه ظاهرة كاطلاق الصلاة على صلاة الجنازة انتهى ويمكن ان يقال إن الامر بالوضوء للجنب والحائض بالنسبة إلى بعض الغايات لا يكون أيضا الا بلحاظ هذا الأثر الا ان المحل لا يقبل التأثير التام فيؤثر الوضوء بالنسبة إليهم تخفيف الحدث ورفع المنع بالنسبة إلى بعض الغايات والله العالم * (فروع) * الأول قال العلامة [قده] فيما حكى عنه في جملة من كتبه كالتذكرة والمنتهى والنهاية والقواعد ان من ليس عليه وضوء واجب فنوى بالوضوء الوجوب وصلى به أعاد الصلاة فان تعددتا يعنى الصلاة والطهارة مع تخلل الحدث أعاد الأولى انتهى وقد حكى ذلك عن ولده فخر الدين [ره] * (أقول) * وجه وجوب إعادة الأولى واضح إذ لا وجوب حتى يقع الفعل امتثالا له فيفسد واما عدم إعادة الصلاة الثانية في الفرض الثاني فلصحة وضوئه لاشتغال ذمته بتدارك الأولى فيجب عليه الوضوء مقدمة له فإذا توضأ بنية الوجوب فقد اتى بالواجب قاصدا لوجهه ناويا فيه القربة فيصح وإن لم يقصد بفعله
(١١٠)