عملا اختياريا المعبر عنه في لسان المتأخرين بالداعي إلى الفعل فلا يسمى نية عندهم بل لا يصدق الإرادة والقصد عليه حقيقة لديهم بل هو من اثار النية السابقة واحكامها ويعتبرون استدامته إلى اخر العمل حتى يتصف تمام العمل بكونه اختياريا صادرا عن قصد وإرادة و يعتبرون عنها بالاستدامة الحكمية واما المتأخرون الذين خالفوهم في ذلك فذهبوا إلى أن النية أعم من تلك الإرادة التفصيلية ومن ذلك الامر المركوز في الذهن فان هذا الامر الباقي أيضا من سنخ الإرادة وقد صرح المحقق الطوسي [قده] في التجريد بذلك حيث قال والحركة إلى مكان تتبع إرادة بحسبها وجزئيات تلك الحركة تتبع تخيلات وإرادات جزئيته يكون السابق من هذه علة للسابق المعد لحصول حركة أخرى فتتصل الإرادات في النفس والحركات في المسافة إلى آخرها انتهى * (وتوضيح) * محل الخلاف انهم بعد اتفاقهم ظاهرا على ما يشهد به حكم العقل والعقلاء في أن حدوث النية الباعثة على الفعل لابد وأن تكون منبعثة عن تصور الفعل وغايته اختلفوا في أن النية هل هي هذه الإرادة التفصيلية أم هي أعم منها ومما يبقى مركوزا في الذهن مؤثرا في اتصاف اجزاء العمل بكون كل منها عملا اختياريا كالمجموع قال شيخنا المرتضى [ره] بعد تحريره محل النزاع كما حررناه ويمكن ان يجعل خلافهم بعد اتفاقهم على كون النية هي الإرادة التفصيلية المتوقفة على الاخطار في أن المعتبر مقارنة تلك الإرادة لنفس المأمور به أو يكفي مقارنتها لما يتعلق به مما يعد معه فعلا واحدا والأظهر في كلماتهم جعل محل الخلاف هو الأول انتهى * (أقول) * وجه الأظهرية ظاهر * (وكيف) * كان فالأقوى ما اختاره المتأخرون لعدم الدليل على اعتبار اقتران المأمور به بالإرادة التفصيلية المتصلة به بعد صدق الإطاعة والعبادة عقلا وعرفا على فاقدتها ويشهد بذلك حكم العقلاء قاطبة بكون العبد الذي التفت إلى امر المولى بشراء اللحم فقام من مقامه ولبس ثيابه ومشى إلى السوق واشترى اللحم بداعي امر المولى مطيعا ولو لم يلتفت تفصيلا إلى الامر حال ايجاده الفعل المأمور به * (قال) * في الحدائق حاكيا عن بعض المحققين من متأخري المتأخرين انه لما كانت النية عبارة عن القصد إلى الفعل بعد تصور الدواعي له والحامل عليه والضرورة قاضية كما نجده في سائر أفعالنا بأنه قد يعرض لنا مع الاشتغال بالفعل الغفلة عن ذلك القصد والداعي في أثناء الفعل بحيث انا لو رجعنا إلى وجداننا لرأينا النفس باقية على ذلك القصد الأول ومع ذلك لا نحكم على أنفسنا ولا يحكم علينا غيرنا بان ما فعلنا وقت الذهول والغفلة بغير نية وقصد بل من المعلوم أنه اثر ذلك القصد والداعي السابقين كان الحكم للعبادة كذلك إذ ليس العبادة الا كغيرها من الأفعال الاختيارية للمكلف والنية ليست الا عبارة عما ذكرنا ثم قال إنه كما يجوز صدور الفعل بالإرادة لغرض مع الذهول في أثنائه عن تصور الفعل والغرض مفصلا فكذلك يمكن صدوره بالإرادة لغرض مع الذهول عنها مفصلا في ابتداء الفعل أيضا إذا تصور الفعل والغرض في زمان سابق عليه وذلك باعث على صدور الفعل في هذا الزمان والضرورة حاكمة أيضا بوقوع هذا الغرض عند ملاحظة حال الأفعال [فح] يجوز ان يصدر الوضوء لغرض الامتثال والقربة باعتبار تصوره وتصور ذلك الغرض في الزمان السابق فيلزم ان يكون ذلك الوضوء أيضا صحيحا لما عرفت من عدم لزوم شئ على المكلف زائدا على هذا المعنى فبطل القول بمقارنة النية لأول الأفعال * (انتهى) * كلامه المحكى عن بعض المحققين وفي حاشية النسخة الموجودة عندي انه هو المحقق الفيلسوف الشيرازي في شرحه على أصول الكافي انتهى ولا تتوهم ان اعتبار هذا القيد في مهية الإطاعة في الشرعيات لعله لدليل تعبدي شرعي كقيد الاخلاص مثلا فلا يتم الاستدلال للمدعى بما تشبثنا به من صدق الإطاعة عرفا إذ لم يظهر من أحد من القائلين به دعواه بل لم يستندوا في ذلك الا إلى كون النية عبارة عن ذلك وهي من مقومات الإطاعة عقلا وعرفا هذا مع أن هذا الاحتمال مدفوع بالأصل وغيره كما سنوضحه لك في بعض التفاصيل التي التزموا باعتبارها في النية [انش] (المرحلة الثالثة) * في تعيين المنوي يجب ان يقصد ايقاع الفعل الخاص الذي تعلق به الامر امتثالا للامر المتعلق به وهذا لا يتحقق الا بعد تصور الفعل بجميع قيوده التي لها مدخلية في تعلق الطلب به إذ لو لم يتصوره كذلك لامتنع وقوعه امتثالا للامر المتعلق به مثلا لو امر بغسل الثوب للصلاة وأراد امتثال هذا الامر يجب عليه ايقاع الغسل بعنوان كونه مقدمة للصلاة بداعي الامر المتعلق به واما قصد مطلق الغسل فلا ينفع في حصول الامتثال لان مطلق الغسل لم يتعلق به امر حتى يقع امتثالا له وما تعلق به الامر ليس إلا الغسل بعنوان المقدمية وهو لم يقع بهذا العنوان فما وقع عن قصد غير مأمور به وما هو المأمور به غير مقصود والحاصل انه لابد في حصول الامتثال من اتيان الفعل على الوجه الذي تعلق به الامر لا غير وهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال والخلاف في تشخيص بعض القيود التي لها مدخلية في تعلق الطلب فإنها على أقسام * (منها) * ما يكون محققا لنفس العنوان المأمور به كالقيود المنوعة للطبيعة كما لو كلف باحضار حيوان ناطق أو بشراء ماء الورد وهذا القسم من القيود مما لا تأمل في وجوب قصده * (ومنها) * ما ليس من مقومات المهية بل هي من عوارضها التي بها يمتاز الفرد المأمور به عن غيره سواء لم يكن ذلك الغير مأمورا به أصلا أو كان ولكن لم يكن بهذا الامر وهذا كتقييد الصلاة بكونها ظهرا أو عصرا أو صبحا أو نافلتها أو النوافل المبتدئة أو الصلوات المبتدعة فان لكل منها خصوصيات بها اختلفت احكامها وتعددت أوامرها وهذا
(٩٩)