ولذلك قيل: الانذار سائق، والتبشير قائد.
والقرآن والاسلام يرى: أن الانسان يحتاج إلى هذين العنصرين معا، وليس - كغيره - يكفيه أحدهما.
بل ويرى الاسلام: أنه لا بد وأن ترجح كفة التبشير على كفة الانذار. ولذلك قدم الأول على الثاني في أكثر الآيات القرآنية.
ومن هنا، فقد قال " صلى الله عليه وآله وسلم " لمعاذ بن جبل، حين أرسله إلى اليمن: " يسر ولا تعسر، وبشر ولا تنفر ".
فهو هنا لم يستبعد الانذار، بل هو جزء من خطته. وإنما اهتم بجانب التبشير إذ يمكن بواسطته إدراك مزايا الاسلام وخصائصه الرائعة، وليكون إسلامهم من ثم عن قناعة حقيقية، وقبول تام.
وأما قوله " صلى الله عليه وآله وسلم ": ولا تنفر، فهو واضح المأخذ، فإن روح هذا الانسان شفافة جدا، وتبادر إلى ردة الفعل بسرعة، ومن هنا فإننا نجد النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " يأمر بالعبادة ما دامت النفس مقبلة، ولا يقبل بالضغط عليها، وتحميلها مالا تطيق. ولهذا شواهد كثيرة في الشريعة السهلة السمحاء (1).
ومما تقدم نستطيع أن ندرك: لماذا اشتملت دعوته " صلى الله عليه وآله وسلم " لعشيرته على التبشير أيضا؟ بان من يؤازره سوف يكون خليفة بعده، وأنه قد جاءهم بخير الدنيا والآخرة، تماما كما بدأت بالانذار، فإن ذلك ينسجم مع ما تشتاق إليه نفوسهم، ويتلاءم مع رغباتهم. ويأتي من قبل من لا يمكن اتهامه لديهم بأي وجه.