وواضح: أن الالتجاء إلى كسرى لا يقل خطرا عن الالتجاء إلى بلاد الروم، خصوصا إذا رأى: ان هذا العربي - وهو بطبعه كان يحتقر العرب، ولا يرى لهم حرمة، ولا شأنا يذكر - لسوف يخرج في منطقة قريبة من بلاده، وقد تسري دعوته إلى بلاده نفسها، ويؤثر ذلك على الامتيازات الظالمة التي يجعلها لنفسه، كما يظهر من دراسة طبيعة دعوة ذلك النبي، وأهدافها.
3 - قد كان لقريش نفوذ قوي في مختلف القبائل العربية، حتى ما كان منها تحت نفوذ الفرس والروم. كما ربما يتضح مما ذكرناه في أوائل هذا الكتاب، فلا نعيد.
4 - ما ذكره النبي " صلى الله عليه وآله " من أن بها ملكا لا يظلم عنده أحد:
فإن كل ذلك:
يجعلنا نضع أيدينا على السر الحقيقي لاختيار بلاد الحبشة، البعيدة عن النفوذ الفارسي والرومي والقريشي، والتي لا يمكن لقريش أن تصل إليها على ظهر جواد أو راحلة، وإنما بالسفن عبر البحار. ولم تكن قريش تعرف حرب السفن، فاختار الرسول " صلى الله عليه وآله " هذه البلاد بالذات لتكون أرضا لهجرة المسلمين، الذين لا يزالون ضعافا أمام قوة قريش وجبروتها.
ثم اننا نستفيد من قوله " صلى الله عليه وآله وسلم " عن ارض الحبشة: إنها أرض صدق: أنه قد كان فيها شعب يعيش على الفطرة، ويتعامل بالصدق والصفاء، فيمكن لهؤلاء الثلة من المسلمين المهاجرين ان يعيشوا مع هؤلاء الناس، وأن يتعاملوا معهم، لا سيما وأنها بلاد لم يكن فيها من الانحرافات والأفكار والشبهات ما كان في بلاد الروم والفرس، التي كانت قد لوثتها المفاهيم والنظريات اللا إنسانية، والأديان