منهما بأمر مستقل ليس إلا ما كشف عنه قوله عليه السلام: " أجزأك عنها غسل واحد " (1)، إذ ليس بعد قطع النظر عن الأمر بغسل الجنابة والأمر بغسل الجمعة سوى ذلك، فإذا فرض تعلق الأمر به فهذا الفعل الثالث قد اشترك مع كل من الغسلين في تحقق مصلحتهما به، فلا محالة يكون كل من الأمرين المتعلق بخصوص كل من الغسلين أمرا تخييريا، وهذا الأمر الثالث المستفاد من حديث التداخل أمرا تخييريا آخر، فيرجع الأمر إلى أن مطلوب الشارع من الجنب في يوم الجمعة هو أحد الفردين من الغسل المنوي به خصوص الجنابة المطابق لأوامر غسل الجنابة، ومن الغسل الثالث المنوي به الاجتزاء عن الجميع المطابق للأمر المستفاد من حديث التداخل، وأن مطلوب الشارع من الجنب المذكور استحبابا هو أحد الفردين من الغسل المأمور به خصوص الجمعة المطابق لأوامر غسل الجمعة، ومن الغسل الثالث المنوي به الاجتزاء عن الجميع المطابق للأمر المستفاد من دليل التداخل، فيرجع الأمر بالآخر إلى صيرورة هذا الفرد الثالث أحد فردي المطلوب وجوبا من الجنب المدرك ليوم الجمعة، وأحد فردي المطلوب منه ندبا، فعاد المحذور من اجتماع الحكمين المتضادين في فعل واحد على وجه أشنع، لأن التخيير العقلي في الواجب والمستحب يمكن القول باجتماع فردين منه في مصداق واحد بخلاف التخيير الشرعي.
فالتحقيق ما عرفت سابقا من أن أدلة التداخل - خصوصا رواية الحقوق - تكشف عن كون مفاهيم الأغسال متصادقة، فإشكال اجتماع الواجب والمستحب في مصداق واحد لا محيص عنه، وطريق الدفع ما ذكره