وظهر مما ذكرنا: أن الحق اختصاص ترجيح الأعلم بمورد النصوص، وهو ما إذا اختلف المترافعان أولا في الاختيار كما في المقبولة، أو اتفقا على رجلين فاختلفا كما في الروايتين - كما هو ظاهر الفاضل في التحرير (1) - وأن اللازم ترجيحه حينئذ أيضا هو الأعلم والأعدل معا، فلو فضل أحدهما في أحدهما وتساويا في الآخر أو رجح الآخر في الآخر فلا يجب الترجيح.
ثم المراد بالأعلمية والأعدلية: الزيادة الظاهرة الكثيرة، ولا اعتبار باليسير منها، لعدم اتفاق التساوي الحقيقي غالبا.
والمراد بالأعلمية: الأعلمية في الأحاديث، وفي دين الله - كما في الروايتين - فلا اعتبار بالأعلمية في العلوم الأخر، كالطبيعي والرياضي والطب، بل الكلام، ولو باعتبار بعض مسائلها المعينة في الأحكام، لعدم إيجاب ذلك الأعلمية في الأحاديث وفي دين الله.
والأعلمية في الأحاديث تكون تارة: بأكثرية الإحاطة بها، والاطلاع عليها.
وأخرى: بالأفهمية لها، وأدقية النظر، وأكثرية الغور فيها.
وثالثة: بزيادة المهارة في استخراج الفروع منها، ورد الجزئيات إلى كلياتها.
ورابعة: بزيادة المعرفة بصحيحها وسقيمها وأحوال رجالها، وفهم وجوه الخلل فيها.
وخامسة: بأكثرية الاطلاع على ما يتوقف فهم الأخبار عليها من علم اللغة وقواعد العربية والنحو والصرف والبديع والبيان ونحوها.