فإن قيل: يستفاد من الأخبار اشتهار التقصير ما لم ينو المقام بين قدماء الأصحاب وهو أولى بالترجيح، ففي صحيحة ابن مهزيار: إن الرواية قد اختلفت عن آبائك في الاتمام والتقصير في الحرمين، فمنها أن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة، ومنها أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام، ولم أزل على الاتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجنا في عامنا هذا، فإن فقهاء أصحابنا أشاروا علي بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام فصرت إلى التقصير، وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك. فكتب إلي بخطه: " قد علمت - يرحمك الله - فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما بالصلاة " إلى أن قال: فقلت:
أي شئ تعني بالحرمين؟ فقال: " مكة والمدينة " (1).
وفي المروي في كامل الزيارة لابن قولويه، عن سعد بن عبد الله قال: سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين عليه السلام والذي روي فيها، فقال: أنا أقصر وكان صفوان يقصر وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصرون (2).
قلنا: لا تدل هذه الأخبار على اشتهار وجوب التقصير - وهو المضعف لأخبار التمام والمعارض لاشتهار جوازه - بل غاية ما تدل عليه اشتهار فعله، فلعله كان مع تجويز التمام أيضا، وإنما اختاروا ذلك الفرد لمصلحة من تقية ونحوها، حيث إن الفرق بين الأماكن من مذهب الشيعة أغرب من حتم التقصير، فهذه أيضا مخالفة جديدة للناس والقصر كان معروفا من مذهبهم.
مضافا إلى أن خبر كامل الزيارة ضعيف لا يصلح لاثبات شئ، بل الصحيحة أيضا وإن كانت حجة إلا أن ثبوت حجيتها إنما هو في إثبات الأحكام الشرعية دون غيرها. مع أنها وإن تضمنت شهرة التقصير إلا أنها تتضمن حب