دال على الوجوب، قاصر عن إفادته. نعم يدل على مشروعية التقصير في الأربعة.
وأما القسم الثاني منها فكثير من أخباره غير صالح للاستدلال أيضا، كرواية إسحاق بن عمار الأولى، فإنها قاصرة عن إفادة الوجوب أيضا، لعدم معلومية سبب الويح، فهو كما يمكن أن يكون إنكارا على الاتمام، يمكن أن يكون على اعتقاد وجوبه، فيكون المعنى: في كم يجوز التقصير؟ فقال: في بريد، ويح لمن لا يجوز فيه. نعم ظاهر صحيحة ابن عمار كون الويح على الاتمام.
ومرسلة ابن أبي عمير، فإنها وإن كانت دالة على الوجوب إلا أن غايتها وجوب التقصير في الأربعة في الجملة، ولا يدل على الوجوب مطلقا وبلا شرط.
ألا ترى أنه يصح أن يقال: حد السن الذي يجب فيه الصيام سن البلوغ، مع أن وجوب الصوم فيه مشروط بدخول الوقت، والخلو عن الحيض والمرض والسفر، وغيرهما. فيصح القول بأن حد وجوب التقصير الأربعة، وإن كان مشروطا بشرط كالرجوع في اليوم، أو المسبوقية بقصد الثمانية الممتدة.
والحاصل أنها تدل على أن كل اثني عشر ميلا حد يجب فيه التقصير، ويصدق ذلك بوجوبه فيه عند الرجوع ليومه. مع أنه لا بد فيها من تقدير، فكما يمكن أن يكون المعنى: يجب في سيرها التقصير، يمكن أن يكون: في سير خاص فيها التقصير، ولا إطلاق في السير فيها حتى يحكم به.
ورواية إسحاق بن عمار الثانية، وصحيحة أبي ولاد، فإنهما أخصان من المدعى، لاختصاصهما بسير الأربعة، المسبوق بقصد الثمانية الممتدة، الراجع عن قصدها بعد سير الأربعة، والوجوب حينئذ مسلم، ولا يدل على الوجوب في غير ذلك الفرد، ولذا قال بالوجوب فيه من لا يقول به في غيره، كما يأتي.
نعم تبقى خمسة أخرى من أخبار القسم الثاني - وهي: رواية صفوان، والموثقتان، والتعليل الوارد في رواية العلل، وصحيحة عمران بن محمد - دالة على الوجوب ظاهرا.
مستند القول الثالث، وهو التخيير مطلقا، بعد إبقاء ما دل على جواز