الأخبار أو العرف أو اللغة في تعيين معناه؟
قلنا: لأن الوارد في الأخبار تفسير هما بالفراسخ، وتعيين معناهما بها، فيعلم أن الفراسخ هي المرجع.
ومن ذلك يعلم أن بعد تعيين معنى الفراسخ لا يضر إجمال معنى الآخرين أو الخلاف فيه، بل ولا مخالفته لغة للمعنى المعلوم للفرسخ، إذ بعد دلالة الأخبار على أن البريدين وأربعة وعشرين ميلا هو ثمانية فراسخ. ومعلومية معنى الفرسخ، يعلم مراد الشارع من البريد والميل، وإن كان مخالفا للمعنى اللغوي لهما، غاية الأمر كونه مجازا شرعيا.
نعم، لو لم يعلم معنى الفرسخ، علم معنى لهما أو لأحدهما، يجب حمل الجميع عليه.
فاللازم الرجوع في وجوب التقصير إلى ثمانية فراسخ.
ثم الفرسخ ثلاثة أميال، إجماعا محققا، ومنقولا مستفيضا (1)، لغة وشرعا، كما دلت عليه الأخبار المتقدمة.
والميل يقدر تارة بمد البصر من الأرض، وأخرى بالذراع.
ولا يمكن أن يكون المراد به في المقام المعنى الأول، لعدم انضباطه البتة، لاختلاف مد البصر باختلاف المبصر، والباصرة، والأرض، ورقة الهواء وغلظته، بل لا يكاد يوجد عشرة أشخاص لم يختلف مد أبصارهم غاية الاختلاف، بل يختلف في ثمانية فراسخ بقدر ضعفها.
مع أن المراد بمد البصر غير ثابت. وما قيل من أنه ما يمتاز فيه الراجل عن الراكب لا دليل عليه أصلا، وقد جربنا كثيرا من الناس، فمنهم من يميز بينهما في فرسخ، سيما إذا كان في أرض لها انحدار، ومنهم من لا يميز في ألف ذراع. ومثل ذلك يستحيل أن يكون مناطا للأحكام الشرعية.
فتعين الثاني.