الثالث، فإنه المساوق لاستعمال الجملة الخبرية وبه تكون الجملة من افراد الاخبار، ومصداقا للخبر. ولا يخفى ان الداعي ما يكون بوجوده الذهني سابقا وبوجوده الخارجي لاحقا مترتبا على الشئ بلا فصل. فإذا كانت الحكاية المأخوذة في معنى الجملة الخبرية من قبيل الداعي فلا بد من فرض كون الحكاية عن ثبوت الجملة للنسبة امرا يترتب على الجملة في نفسه كي يكون داعيا إلى الاستعمال، ويكون الاستعمال بلحاظه، وهذا انما يتلاءم مع الوضع لنفس ثبوت النسبة لا لقصد الحكاية، إذ بعد فرض كون القصد ههنا بمعنى الداعي فلا بد ان يفرض مدلول الجملة أمرا غير القصد يكون مدعاة للاستعمال وموضوعا للقصد.
وقد يقال: إذا كان الموضوع له هو قصد الحكاية عن ثبوت النسبة كان ثبوت النسبة قيد الموضوع له، فصح أن يكون داعيا ولو بلحاظ دلالة الكلام عليه بالالتزام وبتبع دلالته على المقيد به وهو نفس القصد.
لكنه غير وجيه: لان ما أخذ قيد الموضوع له هو ثبوت النسبة بنحو الاطلاق وبلا تقييده بنسبة خاصة. والداعي الباعث للاستعمال هو تفهيم النسبة الخبرية الخاصة، لوضوح تفاوت انحاء النسب وتفاوت الجمل في الدلالة عليها، فنحو النسبة المدلول عليها بجملة: (قام زيد) غير نحو النسبة المدلول عليها بجملة: (زيد قائم) أو (ان زيدا قائم). فالمدلول عليه بالالتزام هو كلي النسبة وهو لا يصلح للداعوية، فلا يمكن فرض كون الداعي الحكاية عن النسبة الخبرية الخاصة الا بفرض قابلية الكلام بنفسه لتفهيمه في مرحلة سابقة على الداعوية، وهو يقتضي الوضع لثبوت النسبة.
ومن هنا تتضح تمامية الايراد على الوجه المزبور - أعني الوجه في وضع الجملة الخبرية - بأنه نرى بالوجدان بأنه عند اطلاق جملة: (زيد قائم) نفهم معنى آخر غير نفس المعاني الافرادية وهو ثبوت النسبة بينهما. والدال منحصر