وأما المسألة الثانية: فلا شبهة في أن الناطق بما له من المعنى اللغوي لا يصلح أن يكون فصلا حقيقيا للانسان، وكذلك الصاهل والناطق ونحوهما، ولا فرق في ذلك أن يكون المشتق موضوعا لمعين بسيط أو مركب، لأن المبدأ في الناطق وهو النطق لا يمكن أن يكون فصلا حقيقيا للانسان، باعتبار أنه إن كان بمعنى النطق الظاهري، فهو من مقولة الكيف المسموع، وإن كان بمعنى الادراك الباطني، فهو من مقولة الكيف النفساني، وعلى كلا التقديرين فلا يصلح أن يكون فصلا حقيقيا، بلا فرق بين أن يكون مفهوم الشئ مأخوذا فيه أولا، وعلى هذا فجعل الناطق في باب الكليات من الذاتي والفصل الحقيقي للانسان لا يمكن بدون تجريده عن معناه اللغوي مادة وهيئة وإرادة معنى آخر منه.
وهو النفس الناطقة.
وبكلمة، إن الناطق عند العرف واللغة موضوع للشئ المتلبس بالنطق الظاهري أو الباطني، وهو بهذا المعنى لا يصلح أن يكون فصلا حقيقيا للانسان ومقوما له، وعليه فجعله في المنطق فصلا حقيقيا لا يمكن أن يكون بمعناه اللغوي، فلا محالة يكون قد جرد عنه تماما واستعمل في معنى جامد بسيط، وهو النفس الناطقة، فإنه بهذا المعنى يصلح أن يكون فصلا حقيقيا ومقوما، على أساس أن نظر المناطقة إلى حقائق الأشياء من الجنس والفصل الذاتيين، لا إلى الأوضاع اللغوية والمعاني العرفية، فلذلك جعلوا الناطق أسماء للنفس الناطقة، وهو بهذا المعنى فصل حقيقي للانسان.
وعلى هذا فلا يلزم من أخذ مفهوم الشئ في مدلول المشتق لغة وعرفا دخول العرض العام في الفصل الحقيقي، لما عرفت من أن الناطق أو ما شاكله ليس بمعناه اللغوي فصلا، وإنما هو فصل بمعنى آخر، وهو النفس الناطقة التي هي صورة