ويؤكد ذلك ما ورد في الروايات من النهي عن الصلاة خلف المحدود والمجزوم، ولعل نكتة ذلك أن منصب إمامة الجماعة وإن كان دون منصب الإمامة والخلافة بمراتب إلا أنه في نفسه منصب مهم في الشريعة المقدسة، والمتصدي له لا بد أن لا يكون ساقطا عن الأنظار خلقيا، وبما أن المحدود ساقط عن الأنظار كذلك، فلا يصلح لهذا المنصب، بل إن هذا الارتكاز الناشئ من الفطرة والجبلة ثابت حتى بين العقلاء في المناصب الدنيوية أيضا، لأن من يريد أن يتصدى لمنصب الرئاسة أو الوزارة يدقق في سجل تاريخ حياته الاجتماعية والفردية، فإن كانت فيه نقطة سوداء تحط من شأنه في المجتمع وكرامته عند الناس خلقيا وبالتالي سقوطه عن الأنظار لم ينتخب رئيسا أو وزيرا.
وعلى هذا فاستدلال الإمام عليه السلام بالآية الشريفة على عدم لياقة هؤلاء الثلاثة لمنصب الخلافة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ليس مبتن على وضع المشتق للأعم، بل هو مبتن على هذه النكتة، وهي أن هؤلاء الثلاثة لما كانوا من عبدة الأوثان والأصنام فترة معتدا بها من عمرهم فبعد تشرفهم بالاسلام تبقى هذه النقطة السوداء في سجل تاريخ حياتهم، وهي تمس من كرامتهم وتحط من قدرهم وشأنهم في المجتمع، فلذلك لا يليق مثل هؤلاء لمنصب الخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله والإمامة التي هي من أعظم المناصب الإلهية بعد الرسالة، لأن علو شأن هذا المنصب وجلالة قدره ومكانته يتطلب أن يكون المتصدي لها مثالا أعلى في المجتمع الانساني ككل في الخلق والكرامة وعلو الشأن وجلالة القدر والمكانة، فيكون إنسانا كاملا خلقا وخلقا، فإذن تشير الآية الشريفة إلى مطلب ارتكازي فطري للبشر، وهذا قرينة على أن صرف حدوث مبدأ الوصف الاشتقاقي المأخوذ في موضوع الآية الشريفة علة للحكم حدوثا وبقاء.