وأما بحسب مقام الاثبات، فالمعيار في أن العناوين المأخوذة في لسان الأدلة هل هي مأخوذة على النحو الأول أو الثاني أو الثالث إنما هو فهم العرف ارتكازا بمناسبة الحكم والموضوع في كل قضية، وقد يكون المتفاهم العرفي من العنوان المأخوذ في لسان الدليل فيها بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية هو النحو الأول كما في قوله تعالى: (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) (1)، فإن المتفاهم العرفي من عنوان التبين المأخوذ في لسان الآية الشريفة بمناسبة الحكم والموضوع هو المعرفية والطريقية المحضة.
وقد يكون المتفاهم العرفي منه على أثر المناسبات الارتكازية هو النحو الثاني، كما هو الغالب في العناوين المأخوذة في القضايا الحقيقية، كعنوان (الاستطاعة) الذي أخذ في موضوع وجوب الحج في الآية الشريفة، فإن المتفاهم العرفي منه بمناسبة الحكم والموضوع أنه دخيل في الحكم والملاك معا حدوثا وبقاء، ومنها عنوان (العادل) المأخوذ في موضوع جواز الصلاة خلفه وقبول شهادته وغيرهما، ومنها عنوان (المجتهد) الذي هو مأخوذ في موضوع جواز التقليد ونفوذ حكمه في باب القضاء بل مطلقا، ومنها عنوان (المسافر) المأخوذ في موضوع وجوب القصر، وعنوان (الحاضر) في موضوع وجوب التمام وهكذا.
وقد يكون المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية أن حدوثه دخيل في الحكم حدوثا وبقاء، بمعنى أن بقاء الحكم لا يدور مدار بقاء العنوان.
وبعد ذلك نقول: إن العناوين التي أخذت في موضوعات القضايا الحقيقية،