أما على القول الأول وهو القول بثبوت الحقيقة الشرعية فالأمر واضح، فإن القائل بالصحيح في هذه المسألة يدعي أن الشارع وضع ألفاظ العبادات بإزاء حصة خاصة وهي الصحيحة، والقائل بالأعم يدعي أن الشارع وضع ألفاظها بإزاء جامع بين الصحيحة والفاسدة.
وأما على القول الثاني وهو أنها موضوعة بإزائها قبل الاسلام، فالأمر أيضا واضح، لأن مرد هذا النزاع إلى النزاع في تحديد المعاني اللغوية سعة وضيقا، فالصحيحي يدعي ضيقها والأعمي يدعي سعتها.
وأما على القول بالمجاز فقد قيل في تصوير هذا النزاع وجوه:
الأول: ما جاء في الكفاية من أن غاية ما يمكن أن يقال في تصويره هو أن النزاع على هذه القول مبني على أن هذه الألفاط التي استعملت في المعاني الشرعية مجازا في نصوص الكتاب والسنة، هل الأصل في هذه الاستعمالات هو الاستعمال في خصوص الصحيحة ويكون الاستعمال في الأعم بتبعه ومناسبته، أو أن الأمر بالعكس (1).
وبكلمة واضحة إن الأقرب إلى المعنى الحقيقي، هل هو خصوص الصحيحة أو الجامع بينها وبين الفاسدة، فالقائل بالصحيح يدعي أن الأقرب إلى المعنى اللغوي وأشبه به هو الصحيحة دون الأعم، وعلى هذا فالألفاظ المستعملة في الكتاب والسنة محمولة عليها، ويكفي في ذلك وجود قرينة صارفة على عدم إرادة المعنى اللغوي وعدم الحاجة إلى قرينة معينة، تطبيقا لقاعدة أن إرادة المعنى الحقيقي إذا تعذرت فأقرب المجازات هو المتعين، وأما استعمالها في الأعم، فهو