قوله (ص) قرأ الجمهور بسكون الدال كسائر حروف التهجي في أوائل السور فإنها ساكنة الأواخر على الوقف. وقرأ أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم وابن أبي عبلة وأبو السماك بكسر الدال من غير تنوين، ووجه الكسر أنه لالتقاء الساكنين، وقيل وجه الكسر أنه من صادي يصادي إذا عارض، والمعنى صاد القرآن بعملك: أي عارضه بعملك وقابله فاعمل به. وهذا حكاه النحاس عن الحسن البصري وقال: إنه فسر قراءته هذه بهذا، وعنه أن المعنى: أتله وتعرض لقراءته. وقرأ عيسى بن عمر: صاد بفتح الدال، والفتح لالتقاء الساكنين، وقيل نصب على الإغراء. وقيل معناه: صاد محمد قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو، وروي عن ابن إسحاق أيضا أنه قرأ " صاد " بالكسر والتنوين تشبيها لهذا الحرف بما هو غير متمكن من الأصوات. وقرأ هارون الأعور وابن السميفع " صاد " بالضم من غير تنوين على البناء نحو منذ وحيث.
وقد اختلف في معنى " صاد " فقال الضحاك: معناه صدق الله. وقال عطاء: صدق محمد. وقال سعيد بن جبير: هو بحر يحيي الله به الموتى بين النفختين. وقال محمد بن كعب: هو مفتاح اسم الله. وقال قتادة:
هو اسم من أسماء الله. وروي عنه أنه قال: هو اسم من أسماء الرحمن. وقال مجاهد: هو فاتحة السورة.
وقيل هو مما استأثر الله بعلمه، وهذا هو الحق كما قدمنا في فاتحة سورة البقرة. قيل وهو إما اسم للحروف مسرودا على نمط التعبد، أو اسم للسورة، أو خبر مبتدأ محذوف، أو منصوب بإضمار أذكر أو اقرأ، والواو في قوله (والقرآن ذي الذكر) هي واو القسم، والإقسام بالقرآن فيه تنبيه على شرف قدره وعلو محله، ومعنى (ذي الذكر) أنه مشتمل على الذكر الذي فيه بيان كل شئ. قال مقاتل: معنى (ذي الذكر) ذي البيان. وقال الضحاك: ذي الشرف كما في قوله - لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم - أي شرفكم، وقيل أي ذي الموعظة.
واختلف في جواب هذا القسم ما هو؟ فقال الزجاج والكسائي والكوفيون غير الفراء: إنه قوله - إن ذلك لحق - وقال الفراء: لا نجده مستقيما لتأخره جدا عن قوله (والقرآن) ورجح هو وثعلب أن الجواب قوله (كم أهلكنا) وقال الأخفش: الجواب هو (إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب) وقيل هو صاد، لأن معناه حق، فهو جواب لقوله " والقرآن " كما تقول حقا والله، وجب والله. ذكره ابن الأنباري، وروي أيضا عن ثعلب والفراء، وهو مبني على أن جواب القسم يجوز تقدمه وهو ضعيف. وقيل الجواب محذوف، والتقدير: والقرآن ذي الذكر لتبعثن ونحو ذلك. وقال ابن عطية: تقديره ما الأمر كما يزعم الكفار، والقول بالحذف أولى. وقيل أن قوله " ص " مقسم به، وعلى هذا القول تكون الواو في " والقرآن " لعطف عليه، ولما كان الإقسام بالقرآن دالا على صدقه، وأنه حق، وأنه ليس بمحل للريب قال سبحانه (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) فأضرب عن ذلك وكأنه قال لا ريب فيه قطعا، ولم يكن عدم قبول المشركين له لريب فيه. بل هم في عزة عن قبول الحق:
أي تكبر وتجبر وشقاق: أي وامتناع عن قبول الحق، والعزة عند العرب: الغلبة والقهر، يقال: من عز بز أي من غلب سلب، ومنه - وعزني في الخطاب - أي غلبني، ومنه قول الشاعر:
يعز على الطريق بمنكبيه * كما أنترك الخليع على القداح والشقاق: مأخوذ من الشق وقد تقدم بيانه. ثم خوفهم سبحانه وهددهم بما فعله بمن قبلهم من الكفار فقال (كم أهلكنا من قبلهم من قرن) يعني الأمم الخالية المهلكة بتكذيب الرسل: أي كم أهلكنا من الأمم الخالية الذين