ولأنه إذا توالي أكله منه لا يكون ممسكا له على صاحبه، بل يكون ممسكا له على نفسه.
وقول المخالف لنا: إن الكلب متى أكل يخرج من أن يكون معلما ليس بشئ، لأن الأكل إذا شذ وندر لم يخرج به من أن يكون معلما، ألا ترى أن العاقل منا قد يقع منه الغلط فيما هو عالم به ومحسن له على سبيل الشذوذ من صياغة (١) وكتابة وغيرهما ولا يخرج عن كونه عالما، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحق.
وتفرقة من فرق من القوم بين البازي وجوارح الطير وبين الكلب بأن الطائر لا يقبل التعليم في ترك الأكل مما يصيده وأنه يكفي في كونها معلمة مع أنها مستوحشة غير آنسة أن تألف صاحبها وتجيبه إذا دعاها، والكلب مستأنس فلا يكفي في كونه معلما أن يدعى فيجيب ويألف صاحبه فلا بد من أن يكون تعليمه إنما هو لترك الأكل.
غير صحيحة، لأن البازي كما جاز أن يقهر ويمرن على ما يخالف طبعه من الاستئناس وإجابة دعاء صاحبه جاز أيضا أن يمرن ويعلم ترك الأكل لما يمسكه فيعتاد ذلك ويفارق به طباعه كما فارق في الوجه الأول.
وأما الكلاب فليس كلها مستأنسة وفيها المتوحش أيضا فلم لا يكون علامة كونها معلمة هي أن تأنس بنا وندعوها فتجيب؟ ومعلوم ضرورة أن إجابة داعيها ليس هو بشئ لها وإنما تعلمه وتمرن عليه فألا أجروها مجرى جوارح الطير في أن أكلها مما تمسكه ليس مخرجا لها من التعليم وهذا كله من القوم حدس وخبط.