ومن اغتر بقولهم فلان كلب على كذا وتكلب على كذا فغير متأمل، لأن الكلب هاهنا هو العطش والكلب عندهم هو العطشان، ولا يقول أحد منهم:
كلب للطائر الجارح إذا علمه وأضراه لأن هذه لفظة مستعملة من لفظ الكلاب فكيف تستعمل في غيرها؟
وإذا قيل: قد قالوا: أسير مكلب.
قلنا: من قال ذلك فقد فسره وقال: معنى مكلب مشدود بالكلب الذي هو القد، ولما كان الأسير المشدود بالقد الذي هو الكلب قيل مكلب وما أنكرنا أن يكون المكلب في موضع من المواضع يستعمل في غير الكلاب وإنما أنكرنا أن يكون المكلب هو المعلم والمغرى والمضرى.
على أنا لو سلمنا هذه اللفظة وأنها قد استعملت في التعليم والتمرين فذلك مجاز، والمعنى الذي ذكرنا استعمالها فيه حقيقة وحمل القرآن على الحقيقة أولى من حمله على المجاز.
على أن قوله تعالى (وما علمتم من الجوارح) يغني عن أن يكرر ويقول معلمين، لأن من حمل لفظة (مكلبين) على التعليم لا بد من أن يلزمه التكرار، وإذا جعلنا ذلك مختصا بالكلاب أفاد، لأنه بيان، لأن هذا الحكم يتعلق بالكلاب دون غيرها، ولو أبدلنا في الآية لفظة مكلبين بمعلمين لما حسنت، فكيف تحمل على معناها ولو صرحنا بها لكان الكلام قبيحا؟
ويدل أيضا على ما ذهبنا إليه أن الجارح غير الكلب إذا صاد صيدا فقتله فقد حله الموت، وكل حيوان يحله الموت فهو ميتة ويستحق هذا الاسم في الشريعة إلا أن تقوم دلالة شرعية على ذكاته فلا يجري عليه حينئذ اسم الميتة وإن حله الموت، فإن ادعوا ذكاة ما حله الموت من صيد البازي والفهد وما أشبههما فعليهم الدلالة ولا يتمكنون من دلالة وإنما يفزعون إلى خبر واحد أو قياس وما فيهما ما يوجب العلم فيترك له ظاهر القرآن.