هذه المسألة على مسألة تحريم صيد البازي وما أشبهه من جوارح الطير فعلت فقلت كل من حرم صيد جوارح الطير حرم ما عددناه، والتفرقة بين الأمرين خلاف الإجماع.
فإن استدل المخالف بقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) (١)، وظاهر هذه الآية يقتضي أن جميع صيد البحر حلال، وكذلك صيد البر إلا على المحرم خاصة.
أو استدل بما لا يزال يستدل به على أن أصل المنافع التي لا ضرر فيها عاجلا ولا آجلا على الإباحة وعلى من حظر شيئا من ذلك الدليل.
فالجواب أن قوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر) لا يتناول ظاهره الخلاف في هذه المسألة لأن الصيد مصدر صدت وهو يجري مجرى الاصطياد الذي هو فعل الصائد وإنما يسمى الوحش وما جرى مجراه صيدا مجازا وعلى وجه الحذف لأنه محل للاصطياد فسمي باسمه، وإذا كان كلامنا في تحريم لحم المصيد (٢) فلا دلالة في إباحة الصيد، لأن الصيد غير المصيد.
فإن قيل: قوله تعالى: (وطعامه متاعا لكم وللسيارة) يقتضي أنه أراد المصيد دون الصيد، لأن لفظة (الطعام) لا تليق إلا بما ذكرناه دون المصدر.
قلنا: لو سلمنا أن لفظة الطعام ترجع إلى لحوم ما يخرج من حيوان البحر لكان لنا أن نقول قوله تعالى وطعامه يقتضي أن يكون ذلك اللحم مستحقا في الشريعة لاسم الطعام، لأن ما هو محرم في الشريعة لا يسمى بالإطلاق فيها طعاما كالميتة والخنزير، فمن ادعى في شئ مما عددنا تحريمه أنه طعام في عرف الشريعة فليدل على ذلك فإنه يتعذر عليه.