بل المقطوع والمعلوم عادة من أمثالهم أنهم لا يذكرون ولا يروون في مصنفاتهم إلا ما اتضح لهم فيه الحال، وأنه في الصدق والاشتهار كالشمس في رابعة النهار. (1) أقول: نستجير بالله، واعجبا ثم واعجبا من هذه الاستحسانات، وإعمال السجع والقوافي في العبارات، مثل قوله - فيما بعد -: " ولعمري، إن الأنصاف يقتضي الجزم " تمسكا بما لا يقتضي الدلالة - ولو بالإيماء والإشارة - بدعوى أن كلامه نفيس، يستحق أن يكتب بالنور على وجنات الحور، ويجب أن يسطر ولو بالخناجر على الحناجر.
مع أن كل واحد من مشايخ الرواة؛ كالكليني والصدوق وشيخ الطائفة لم يصرحوا في كتبهم الأربعة - سيما في الديباجة - بقطعية صدور جميع الأخبار المودعة فيها، كيف؟ ودعوى قطعية جميع أخبار الكتب الأربعة ليست إلا عن غرض ولجاج، أو غباوة، أو غفلة.
وقول الصدوق - عليه الرحمة - في ديباجة من لا يحضره الفقيه (2): بأن جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول، وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد الله...
إلى آخره، وإن دل على أن أحاديث ذلك الكتاب - جميعا - مأخوذة منها، ولكن لا يدعي - طاب ثراه - قطعية صدور تلك الأصول - كما هو مقصود صاحب الحدائق -.
بل الأخذ منها على سبيل الكلية ممنوع - أولا - ولو سلمنا الأخذ [ف] قطعية الكل ممنوعة - ثانيا - سيما كلام الشيخ، خصوصا في أول الاستبصار (3) مما هو صريح في خلافه، حيث فسر القرائن المفيدة؛ بما لا يوجب القطع، مثل: الموافقة لظاهر الكتاب والسنة.
على أن الصدوق - مع أن كلامه أظهر دلالة على مرادهم - لا يدعي قطعية الصدور بالكلية، بل غرضه بيان ما أفتى به، وكونه حجة بينه وبين ربه.
وقوله: " بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة