أبي عبد الله (ع) متوافرين، فسمعت منهم، وأخذت كتبهم وعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا (ع)، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد الله، وقال: " إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (ع) لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله (ع)، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنا إن تحدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنا عن الله وعن رسوله نحدث ولا نقول قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا. وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا، فإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا أنت أعلم وما جئت به، فإن لكلامنا حقيقة وعليه نورا، فما لا حقيقة له ولا عليه نور فذلك قول الشيطان ".
أقول: فانظر - أيدك الله تعالى - إلى ما دل عليه هذا الحديث من توقف يونس في الأحاديث واحتياطه فيها. وهذا شأن غيره أيضا كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى، وأمرهم (عليهم السلام) بعرض ما يأتي من الأخبار من غير المؤتمن على الكتاب والسنة تحرزا من تلك الأحاديث المكذوبة، فهل يجوز في العقول السليمة والطباع المستقيمة إن مثل هؤلاء الثقات العدول إذا سمعوا من أئمتهم مثل هذا الكلام أن يستحلوا بعد ذلك نقل ما لا يثقون بصحته ولا يعتمدون على حقيقته. بل من المقطوع والمعلوم عادة من أمثالهم إنهم لا يذكرون ولا يروون في مصنفاتهم إلا ما اتضح لهم فيه الحال وإنه في الصدق والاشتهار كالشمس في رابعة النهار كما سمعت من حال يونس، وهذا كان دأبهم (عليهم السلام) في الهداية لشيعتهم. يوقفونهم على جميع ما وقع وما عسى أن يقع في الشريعة من تغيير وتبديل، لأنهم (صلوات الله عليهم) حفاظ الشريعة وحملتها وضباطها وحرستها. ولهم نواب فيها من ثقات أصحابهم وخواص رواتهم، يوحون إليهم أسرار الأحكام، ويوقفونهم على غوامض كل حلال وحرام، كما قد روي ذلك بأسانيد عديدة، على أن المفهوم من جملة من تلك الأخبار أن تلك الأحاديث المكذوبة