نكح المتعة في الناس من فسقه وعندنا أن ذلك لا يوجب التفسيق بل هو مباح طلق وربما كان مستحبا فإذا كان كذلك لم يقبل الجرح إلا مفسرا لئلا يجرحه بما هو جرح عنده وليس بجرح عند الحاكم.
ويفارق الجرح التزكية لأن التزكية إقرار صفة على الأصل فلهذا قبلت من غير تفسير، والجرح إخبار عما حدث من عيوبه وتجدد من معاصيه فبان الفصل بينهما.
ولا يقبل الجرح ولا التزكية حتى يكون الشاهد بهما من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة هذا في التزكية خاصة. والفصل بينهما أن الجرح يعرف في لحظة وهو أن يرتكب ما يفسق به فيسقط شهادته ولو كان قبل ذلك أعدل الناس فلهذا لم يفتقر إلى الخبرة المتقادمة، وليس كذلك التزكية لأنه لا يكون عدلا بأن يراه في يومه عدلا لأن العدل من تاب عن المعاصي وطالت مدته في الطاعات إلا أن يتوب على ما قدمناه.
لا يجوز للحاكم أن يرتب شهودا يسمع شهادتهم دون غيرهم بل يدع الناس فكل من شهد عنده فإن عرفه وإلا سأل عنه على ما قلناه، وقيل: إن أول من رتب شهودا لا يقبل غيرهم إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي، والصحيح ما قلناه لأن الحاكم إذا رتب قوما فإنما يفعل هذا بمن هو عدل عنده وغير من رتبه كذلك مثله أو أعدل منه، فإذا كان الكل سواء لم يجز أن يخص بعضهم بالقبول دون بعض ولأن فيه مشقة على الناس لحاجتهم إلى الشهادة بالحقوق في كل وقت من نكاح وغصب وقتل وغير ذلك، فإذا لم يقبل إلا قوما دون قوم شق على الناس.
وينبغي للقاضي أن يتخذ كاتبا يكتب بين يديه، وصفة الكاتب أن يكون عدلا عاقلا، ولا يجوز له أن يتخذ كافرا بلا خلاف لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا، وكاتب الرجل بطانته، ولقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة، وكاتب الرجل وليه وصاحب سره وعليه إجماع الصحابة. ولا ينبغي لقاض ولا وال من ولاة المسلمين أن يتخذ كاتبا ذميا ولا يضع الذمي في موضع يفضل به مسلما، وينبغي أن يعز المسلمين لئلا يكون لهم حاجة إلى غير أهل دينهم.