باب شهادة كل ذي قرابة لمن يقرب منه وعليه وذكر من تقبل شهادته منهم:
كل من كان عدلا فشهادته جائزة إلا ما نستثنيه، وكذلك إقرار العاقل على نفسه فيما يوجب حكما في الشرع سواء كان مسلما أو كافرا مطيعا أو عاصيا أو فاسقا وعلى كل حال إلا أن يكون عبدا، ويمكن أن يستدل عليه من الآيات المتقدمة فليتأملها.
فأما شهادة ذوي الأرحام والقرابات بعضهم لبعض فجائزة إذا كانوا عدولا من غير استثناء أحد لأنه تعالى شرط العدالة في قوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم، ولم يشترط سواها، ويدخل في عموم هذا القول ذوو القرابات كلهم، وكذلك قوله: واستشهدوا شهيدين من رجالكم، يدل أيضا عليه.
والذي يدل على جواز شهادة الانسان على أقربائه خاصة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، فإن الله تعالى لما حكى عن الذين سعوا إلى رسوله ع في أمر بنى أبيرق وقيامهم بالعذر وذبهم عنهم من حيث كانوا أهل فقر وفاقة أمر بعده المؤمنين بهذه الآية أن يلزموا العدل وأن يكونوا قوامين بالقسط، أي العدل " شهداء لله ولو على أنفسكم " يعني ولو كانت شهادتكم على أنفسكم أو على آبائكم أو أمهاتكم أو على أقرب الناس إليكم، وقوموا فيها بالعدل وأقيموا على صحتها وقولوا فيها بالحق ولا تميلوا فيها لغنى غنى ولا فقر فقير فتجوروا فإن الله سوى بين الغني والفقير فيما ألزمكم من إقامة الشهادة لكل واحد منهما في ذلك وفي غيره من الأمور كلها منكم " فلا تتبعوا الهوى " في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها لغني أو فقير إلى أحدهما " فتعدلوا عن الحق " أي تجوروا عنه وتضلوا ولكن قوموا بالقسط وأدوا الشهادة على ما أمركم الله بأدائها بالعدل لمن شهدتم عليه وله.
ونصب " شهداء " على الحال من الضمير في قوله " قوامين "، وهو ضمير " الذين آمنوا " ويجوز أن يكون خبرا ثانيا " كونوا " كقولهم: هذا حلو حامض. ويجوز أن يكون صفة للقوامين والمعنى كونوا قوامين بصفة من يصلح أن يكون شهيدا على سائر عباده.