الموافق للقول بالعمل بالعدل.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به ولها فيه موافق القول: بأن شهادة الأعمى إذا كان عدلا مقبولة على كل حال، ولا فرق بين أن يكون ما علمه وشهد به كان قبل العمى أو بعده. ووافق الإمامية في ذلك مالك والليث بن سعد وقالا: تجوز شهادة الأعمى على ما علمه في حال العمى إذا عرف الصوت في الطلاق والإقرار ونحوهما، وإن شهد على زنى حد للقذف ولم تقبل شهادته. ووافق الإمامية في قبول شهادة الأعمى أيضا داود بن علي، وقال أبو حنيفة ومحمد: لا تقبل شهادة الأعمى بحال، وهو قياس قول ابن شبرمة.
وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى والشافعي: ما علمه قبل العمى جاز شهادته وما علمه في حال العمى لم يجز أن يشهد به.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه زائدا على إجماع الطائفة ظواهر الكتاب التي تلوناها واستدللنا بها على جواز شهادة العبيد وغيرهم لأن الأعمى داخل في هذه الظواهر ولا يمنع عماه من كونه متناولة له، ومعول من خالفنا في هذه المسألة على أن الأعمى تشتبه عليه الأصوات فلا يحصل له العلم اليقين ولأنهم يظنون أن الإدراك بالسمع لا يحصل عنده مع العلم الضروري ما يحصل عند الإدراك بالبصر، وهذا غلط فاحش لأن اشتباه الأصوات كاشتباه الصور والأشخاص، فلو منع التشابه في الأصوات من العلم الضروري لمنع التشابه في الصور منه أيضا لأنهما طريقان إلى العلم الضروري للعاقل مع زوال اللبس، وقد يتعذر زوال اللبس بالسمع كما يتعذر ذلك بالإدراك بالبصر، ألا ترى أن الضرير يعرف زوجته ووالديه وأولاده ضرورة وإن كان طريق معرفته إدراك السمع دون البصر، ولا يدخل عليه شك في ذلك كله، ولو كان لا سبيل له إلى ذلك لم يحل له وطء امرأته لتجويزه أن تكون غير من عقد عليها.
وقد استدل على ما ذكرنا أيضا بأن أزواج النبي ص كن يحدثن ويخاطبن من وراء حجاب مع فقد مشاهدتهن، وقد كانت الصحابة تروي عنهن