فصل:
فإن قيل: كيف تكون شهادة الانسان على نفسه حتى يأمر الله تعالى بذلك؟
قلنا: بأن يكون عليه حق لغيره فيقر له به ولا يجحده، فأدب الله المؤمنين أن لا يفعلوا ما فعله الذين عذروا بني أبيرق في سرقتهم ما سرقوا أو خيانتهم ما خانوا وإضافتهم ذلك إلى غيرهم فهذا الذي اختاره الطبري ونذكر في باب القضايا.
وقال السدي: إنما نزلت وقد اختصم رجلان إلى عند رسول الله ع غنى وفقير فكان ع مع الفقير لظنه أن الفقير لا يظلم الغني فأبى سبحانه إلا القيام بالقسط في أمر الغني والفقير فقال تعالى: إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما.
وهذا الوجه فيه بعد لأن النبي لا يجوز في الحكم ولا يميل إلى أحد الخصمين سواء كان غنيا أو فقيرا لأن ذلك ينافي عصمته.
فعلى هذا لا بأس بشهادة الأخ لأخيه وعليه، وشهادة الوالد لولده وعليه، وشهادة الرجل لزوجته وعليها، وكذا لا بأس بشهادتها له وعليه فيما يجوز قبول شهادة النساء فيه إذا كان مع كل واحد منهم غيره من أهل الشهادة.
ولا تقبل شهادة واحد منهم لصاحبه مع يمينه كما جاز مع الأجنبي، فأما شهادة الولد لوالده وعليه فالمرتضى يجيزها أيضا على كل حال إذا كان معه غيره من أهل الشهادات فظاهر الآية معه. وإن كانت شهادة الانسان على نفسه مجازا لأنها إقرار على نفسه وشهادته على أقربائه والوالدين حقيقة فإن الكلمة الواحدة تذكر ويراد بها الحقيقة والمجاز معا إذ لا مانع، وجمهور فقهائنا أيضا على ذلك لعموم الآيتين اللتين قدمناهما إلا شهادة الولد على والده فإنهم لا يجيزونها لخبر يروونه.
وعذرهم في تأويل هذه الآية ما روي عن ابن عباس أنه قال: إن الله تعالى أمر المؤمنين بهذه الآية أن يقولوا الحق على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم لا يميلون إلى غنى لغناه ولا إلى فقير لفقره، قالوا: وهذا أولى لأنه أليق بالظاهر على كل وجه من غير عدول عنه وهو أمر بقبول الحق وفعله وملازمة العدل والأمر به.