فصل:
قال تعالى: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، معناه ذلك الإحلاف والأقسام أو ذلك الحكم أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة على وجهها - أي حقها وصدقها - لأن اليمين تردع عن أمور كثيرة لا يرتدع عنها مع عدم اليمين.
واختلفوا في أن اليمين هل تجب على كل شاهدين أم لا؟ فقال ابن عباس: إنما هي على الكفر خاصة، وهو الصحيح. وقال غيره: هي على كل شاهدين وصيين إذا ارتبت بهما.
واختلفوا في نسخ حكم الآيتين المتقدمتين مع هذه على قولين: فقال ابن عباس: هي منسوخة الحكم، وقال الحسن: غير منسوخة، وهو الذي يقتضيه مذهبنا وأخبارنا. وقال البلخي: أكثر أهل العلم على أنه غير منسوخ لأنه لم ينسخ من سورة المائدة شئ لأنها آخر ما نزلت.
ووجه قول من قال " هي منسوخة ": أن اليمين لا تجب اليوم على الشاهدين بالحقوق وإنما كان قبل الأمر بإشهاد العدول في قوله تعالى: وأشهدوا ذوي عدل منكم، فنسخت بذلك هذه الآية، ودلت على أن شهادة الذمي لا تقبل على الذمي إذا ارتفعا إلى حكام المسلمين لأن الذمي ليس بعدل ولا ممن يرضى من الشهداء.
ومن ذهب إلى: أنها غير منسوخة، جعلها بمعنى شهادة الأيمان على الوصيين، فإذا ظهر على خيانة منهما مما وجد في أيديهما صارا مدعيين وصار الورثة في معنى المنكرين فوجبت عليهما اليمين من حيث صارا مدعيين.
وقوله تعالى: أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم، يعني أهل الذمة يخافون أن ترد أيمان على أولياء الميت فيحلفوا على خيانتهم فيفتضحوا ويغرموا وينكشف للناس بذلك بطلان شهادتهم ويسترد منهم ما أخذوه بغير حق حينئذ أدوا الشهادة على وجهها وتحرزوا من الكذب.
وقرئ " استحق " بفتح التاء والحاء وبضم التاء وكسر الحاء، وقرئ " الأولين " بتشديد الواو وكسر اللام وفتح النون على الجمع وبسكون الواو وفتح اللام وكسر النون