وأما ما كتبه إلى كسرى وقيصر فإنه دعاهم فيها إلى الله تعالى والإقرار بنبوته وذلك عليه دليل غير الكتاب، ولا خلاف في أنه لا يقبل فيه كتاب قاض إلى قاض.
وأما الاجماع فنحن نخالفهم فيه أشد الخلاف، وليس هذا الكتاب موضوعا للحجاج فنستقصي الكلام عليهم فيه وهو مستوفى في كتب أصحابنا الموضوعة في ذلك فمن أراد الوقوف عليه نظره من هناك.
باب الاستحلاف:
إذا توجهت اليمين على أحد الخصمين وأراد الحاكم استحلاف من توجهت عليه فينبغي أن يخوفه بالله تعالى ويذكره العقاب الذي يستحق على اليمين الكاذبة والوعيد عليها، فإن راجع الحق حكم عليه بما يقتضي الحال حسب ما توجبه الشريعة وإن لم يراجع ذلك واستمر على الانكار استحلفه بالله الذي لا إله إلا هو أو بشئ من أسمائه.
ولا يجوز استحلافه بغير ذلك من الكتب المنزلة والأمكنة الشريفة، ولا بالأنبياء ولا بالرسل، ولا بالبراءة من الله تعالى، ولا من رسله ولا من أحد من الأئمة، ولا بطلاق ولا بعتق ولا بكفر.
فإذا استحلف الحاكم الخصم فينبغي أن يقول له:
قل: والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع المدرك المهلك الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية ما لهذا المدعي على ما ادعاه ولا له قبلي حق بدعواه، فإذا حلف بذلك برئت ذمته مما ادعى خصمه عليه به.
وإن قال له: قل والله ما له قبلي حق، كان مجزئا إلا أن الأول أقوى في الترتيب والردع على من تقدم باليمين.
وأما استحلاف أهل الكتاب فينبغي أن يكون أيضا بالله تعالى أو بشئ من أسمائه، ويجوز أن يستحلفوا بما يذهبون هم إلى الاستحلاف به وذلك إلى الحاكم فإنه يستحلف بما يراه أردع لهم وأعظم عليهم وقد ذكرنا فيما سلف طرفا من كيفية استحلافهم، فإن استحلفهم كذلك كان جائزا.