وعزر الشهود لتعمد الكذب، مثال الأول أن تقوم بينة بما يوجب قودا أو قصاصا أو حدا على شخص معين في وقت معين يعلم الحاكم براءته منه في ذلك الوقت بكونه جليسا له فيه، ومثال الثاني أن تقوم بينة بحق معين من جهة معينة يعلم الحاكم خروج المدعى عليه مما قامت به، ولا تأديب على الشهود هاهنا لجواز كونهم عالمين بأصل الاستحقاق دون الخروج منه إلا أن يقولوا: تعمدنا كذبا، فيؤدبوا.
فصل في الأيمان:
الأيمان واجبة في حق كل دعوى عدا ما يوجب القصاص على المنكر، وتأثيرها اسقاط الدعوى في الحال وما يليها، فإن حلف برئ من حق الدعوى وإن نكل عنها لزمه مقتضاها، وله ردها على المدعي ومتى يفعل يجب عليه، فإن نكل عنها سقط حق دعواه وإن حلف ثبت حقه.
وأما دعوى القتل والجروح مع الانكار وفقد البينة فموجبة لليمين على المدعي حسب ما بيناه من القسامة فمتى يفعل يجب له الحكم بصحة الدعوى، وله أن يطالب المدعى عليه بها قسامة فمتى يفعل تبرأ ذمته من تهمة الدعوى، وإن تنكل يلزم الحكم بمقتضاها.
ولا يمين إلا بعد دعوى ولا يحل دعوى ولا يمين عليها إلا عن يقين بصحة استحقاق ما تعلقت به، ويكفي فيها اسم الله الأعظم كقوله: والله، متجردا عن الصفات، والتأكيد بتكريرها " الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب المدرك المهلك الضار النافع عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم " أبلغ في الزجر، ويجوز الاستحلاف بكل مكان وفي المسجد الجامع تجاه القبلة أولى.
ولا يحل لمن علم غريمه معسرا أن يحبسه مقرا ولا يستحلفه منكرا، ويكره له استحلافه مع الانكار واليسار تعظيما لاسمه سبحانه وجزما في بقاء الاستحقاق وصحة الدعوى به، فإن أحلفه أخل بالفضل وفرط بالجزم ولم تحل له مطالبته فيما بعد ولا إقامة بينة عليه وإن أقامها لم تقبل، فإن ظفر له بمال لم يحل له أخذه غيلة، وإن جاءه بحقه بعد اليمين له نادما من عصيانه حل له أخذه والعفو عنه أفضل، وإن احتسبه عند الله