المنصور ثاني الخلفاء من العباسيين فحضر مع حمالين مجلس الحكم عند حاكمه لخلف جرى بينهم، فإذا ثبت هذا، فمتى حضر قيل له: ادع الآن.
فإذا ادعى عليه لم يسمع الدعوى إلا محررة، فأما إن قال: لي عنده ثوب أو فرس أو حق، لم تسمع دعواه لأن دعواه لها جواب فربما كان بنعم فلا يمكن الحاكم أن يقضي به عليه لأنه مجهول، قالوا: أ ليس الإقرار بالمجهول يصح؟ هلا قلتم: إن الدعوى المجهولة تصح؟ قلنا: الفصل بينهما أنه إذا أقر بمجهول لو كلفناه تحرير الإقرار ربما رجع عن إقراره فلهذا ألزمنا المجهول به، وليس كذلك مسألتنا لأنه إذا ردت الدعوى عليه ليحررها لم يرجع فلهذا لم يسمع إلا معلومة هذا كله ما لم تكن وصية.
فإن كانت الدعوى وصية سمع الدعوى فيها، وإن كانت مجهولة والفصل بينهما وبين سائر الحقوق أن تمليك المجهول بها يصح فصح أن تدعي مجهولة وليس كذلك غيرها لأن تمليك المجهول به لا يصح فلهذا لم تقبل الدعوى به إلا معلومة، فإذا ثبت ذلك فإن حرر الدعوى فلا كلام وإن لم يحررها ولم يحسن ذلك فلا يجوز للحاكم أن يلقنه تحريرها.
فإن كانت الدعوى أثمانا فلا بد من ذكر ثلاثة أشياء تكون معلومة وهو أن يذكر:
القدر والجنس والنوع. قالوا: أ ليس لو باع ثوبا بألف مطلقا انصرف إلى نقد البلد هلا قلتم: تسمع الدعوى مطلقا وينصرف إلى نقد البلد؟ قلنا: الفصل بينهما أن الدعوى إخبار عما كان واجبا عليه وذلك يختلف في وقت وجوبه باختلاف الأزمان والبلدان، فلهذا لم تسمع منه إلا محررة وليس كذلك الشراء لأنه إيجاب في الحال فلهذا انصرف إلى نقد البلد.
فأما إن كانت غير الأثمان لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون عينا قائمة أو هالكة، فإن كانت عينا قائمة فإن كانت مما يمكن ضبطها بالصفات ضبطها وإن لم يمكن ضبط الصفات كالجواهر ونحوها ذكر قيمتها، وإن كانت تالفة فإن كان لها مثل كالحبوب والأدهان وصفها وطالب بها لأنها تضمن بالمثل وإن لم يكن لها مثل