وإن اعترف المنكر بعد يمينه بالله بدعوى خصمه عليه وندم على إنكاره لزمه الحق والخروج منه إلى خصمه، فإن لم يخرج إليه منه كان له حبسه، فإن ذكر إعسارا كشف عن حاله، فإن كان على ما قال أنظر ولم يحبس، وإن لم يكن كذلك ألزم الخروج إلى خصمه من حقه.
ومتى بدأ الخصم باليمين من غير أن يحلفه الحاكم لم يبرئه ذلك من الدعوى وكان متكلفا، وإن أقر المدعى عليه بما ادعاه خصمه وقال: أريد أن تنظرني حتى أتمحله " أي أتكسبه " قال الحاكم لخصمه: فما عندك فيما يقول؟ فإن سكت ولم يجب بشئ توقف عليه القاضي هنيئة ثم قال له: قل ما عندك، فإن لم يقل شيئا أقامه ونظر في أمر غيره، وإن قال: أنظره، فكذلك له، وإن أبي لم يكن للحاكم أن يشفع إليه فيه ولا يشير عليه بالإنظار وله أن يأمرهما بالصلح ويشير بذلك لقوله تعالى: والصلح خير، وما هو خير فللإنسان فعله بغير خلاف من محصل.
وقد يشتبه هذا الموضوع على كثير من المتفقهة فيظن أنه لا يجوز للحاكم أن يأمر بالصلح ولا يشير به وهذا خطأ من قائله، وشيخنا أبو جعفر في مبسوطه قد أفصح عن ذلك وحققه وذهب إليه فقال: إذا ترافع إليه نفسان وكان الحكم بينهما واضحا لا إشكال فيه لزمه أن يقضي بينهما ويستحب أن يأمرهما بالمصالحة، وإن كان حكمهما مشكلا أخره إلى البيان ولا حد له غير ظهور الحكم وبيان الحق، وإن قدمه لم يجز لأن الحكم قبل البيان ظلم والحبس بالحكم بعد البيان ظلم، هذا آخر كلام شيخنا.
وإن قال: الدين على وأنا معسر لا أقدر على قضائه، نظرت في سبب الدين، فإن كان عن مال حصل في يده كالقرض والشراء والصلح والغصب ونحو ذلك لم يقبل قوله بالإعسار لأن الأصل الغنى وحصول المال حتى يثبت زواله، وإن كان سبب ثبوته من غير مال حصل في يده كالمهر وأرش الجناية وإتلاف مال الغير ونحو ذلك نظرت، فإن عرف له مال غير هذا كالميراث والغنيمة ونحو ذلك لم يقبل قوله أيضا في الإعسار لأن الأصل المال، فإن أقام البينة بهلاك المال وأنه معسر فالقول قوله بغير يمين لأن الظاهر ما قامت به البينة.