وقوله تعالى: أن يكتب كما علمه الله فليكتب، يعني الكاتب. وليملل الذي عليه الحق، أمر لمن عليه الحق بالإملاء. وليتق الله ربه، معناه لا يملل إلا الذي عليه الحق. والمراد بالأمر الذي عليه الدين بالإملاء الندب دون الإيجاب لأنه لو أملى غيره وأشهد هو كان جائزا بلا خلاف ولا ينقص منه شيئا، والبخس النقص ظلما ومنه قوله تعالى: ولا تبخسوا الناس أشياءهم، أي لا تنقصوهم ظالمين لهم. والبخس فوق الغبن، وفي هذا إيجاز وحذف لأن المدين المملي إن أراد أن يحط في إملائه من المال شيئا فإن الدائن يمنعه ذلك، وإن تمكن من النقصان بوجه من الوجوه - إما بحيلة يحتالها وإما لغباوة تكون في صاحب الدين - فلا يفعلن ذلك خشية من عقاب الله.
ولا يأب كاتب، ذكر بتنكير كاتب أي لا يمتنع أحد من الكتاب أن يكتب مثل ما علمه الله كتابهم، وقيل: هو كقوله: وأحسن كما أحسن الله إليك، أي ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها.
و: كما علمه الله، يجوز أن يتعلق ب " أن يكتب " وبقوله " فليكتب ". فإن قيل:
أي فرق بين الوجهين؟ قلنا: إن علقته ب " أن يكتب "، فقد نهى عن الامتناع من الكتابة المقيدة، ثم قيل له: فليكتب، تلك الكتابة لا يعدل عنها للتوكيد، وإن علقته بقوله: فليكتب، فقد نهى عن الامتناع من الكتابة على سبيل الإطلاق ثم أمر بها مقيدة.
وليملل الذي عليه، ولا يكن المملي إلا من وجب عليه الحق لأنه هو المشهود على ثباته في ذمته وإقراره به. والإملال والإملاء لغتان قد نطق بهما القرآن.
فصل:
ثم قال تعالى: فإن كان الذي عليه الحق سفيها، قال مجاهد: السفيه الجاهل لأنه خفيف العقل بنقصه، وأصل السفه الخفة. وقوله تعالى: أو ضعيفا، هو الأحمق - عن مجاهد والشعبي.
وقوله تعالى: أو لا يستطيع أن يمل هو، قال ابن عباس: هو العيي العاجز عن