أقام كل واحد منهما بينة بها فإن أصحابنا يرجحون بكثرة الشهود، فإن استويا في الكثرة رجحنا بالتفاضل في عدالة البينتين فيحكم في المال المتنازع فيه وتقدم بينة صاحب الترجيح مع يمينه، فإن استويا في جميع الوجوه فالحكم عند أصحابنا المحصلين:
القرعة على أيهما خرجت أعطي وحلف الآخر أنه يستحقه وهو له.
فإن لم يكن ترجيح وهو في يد ثالث وأقام أحدهما بينة بقديم الملك والآخر بحديثه وكل منهما يدعي أنه ملكي الآن وبينة كل واحد منهما تشهد بأنه ملكه الآن غير أن إحدى البينتين تشهد بالملكية الآن وبقديم الملك والأخرى تشهد بالملكية الآن وبحديث الملك مثاله: أن إحدى البينتين تشهد بالملك منذ سنتين والأخرى منذ سنة، فالبينة بينة قديم الملك وهي المسموعة والمحكوم بها دون بينة حديث الملك لأن حديث الملك لا يملكه إلا عن يد قديمة فهو مدعي الملكية عنه، ولا خلاف أنا لا نحكم بأنه ملك عنه لأنه لو كان عنه ملك لوجب أن يكون الرجوع عليه بالدرك، فإذا لم يحكم بأنه عنه ملك بقي الملك على صاحبه حتى يعلم زواله عنه وكذلك تكون بينة صاحب السبب أولى في هذه المسألة إذا كانت العين المتنازع فيها في يد ثالث وخارجة من أيديهما عند بعض أصحابنا والأقوى عندي استعمال القرعة هاهنا وألا يجعل لصاحب السبب هاهنا ترجيح لأن الترجيح عندنا ما ورد إلا بكثرة الشهود، فإن تساووا في العدد فأعدلهما شهودا - والمراد بأعدلهما في هذه المواضع أن البينتين جميعا شرائط العدالة فيهما إلا أن إحديهما أكثر مواظبة على الأعمال الصالحات المندوبات وإن كانت الأخرى غير مخلة بواجب ولا مرتكبة لقبيح، وليس المراد أن إحديهما فاسقة والأخرى عادلة لأن لفظة أفضل في لسان العرب للمشاركة في الشئ والزيادة عليه فمن ظن أن المراد بأعدلهما شهودا غير ما قلناه فقد أخطأ خطأ فاحشا - وبقديم الملك على ما دللنا عليه، ولا ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا.
والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا فلم يبق إلا استعمال القرعة لإجماعهم على أن كل أمر مشكل فيه القرعة إلا أن يكون مع ذلك الأمر مرجح من المرجحات المجمع عليها وهي المقدم ذكرها من كثرة العدد أو أعدلهما شهودا أو بقديم الملك، ولو قلنا:
نرجح بالسبب إذا كان في يد ثالث، لكان قويا وبه أفتى لأن فيه جمعا بين الأحاديث والروايات وعليه الاجماع، فإن المحصلين من الأصحاب مجمعون عليه قائلون به، ولأن