حاله من كونه منكرا إلى كونه مدعيا وبالعكس لمجرد فرق لفظي - وهو ذكر السبب وعدمه - ليس عرفيا. هذا وقد شرحنا فيما سبق أن المقياس لمعنى المدعي والمنكر عرفا هو مخالفة كلامه للحجة وعدمها، وأن هذا لا يخالف بالنظر إلى مصب الدعوى أو النتيجة.
وإن كان مقصوده إرجاع المسألة إلى باب التداعي لنكتة أن المنكر لم يذكر الملكية التي تكون اليد دليلا عليها، وإنما ذكر الإرث، واليد ليست دليلا على الإرث، قلنا: إنه لو غض النظر عن دعوى أن ذكر السبب يقلب المنكر مدعيا فهذا لا محالة يدعي الملكية الظاهرية، واليد أمارة على الملكية، فيكون منكرا.
وإن كان مقصوده دعوى حكم تعبدي في منكر يشبه المدعي باعتبار عدم إنكاره لما يدعيه المدعي، ودعواه إرثا في المقام مع احتمال التنافي بين ما يقوله هو وما يقوله المدعي لو كان صادقا، فهذا يرجع إلى التفسير الذي نحن فسرنا به الحديث، وهو تام، وحاصله الحاق مثل هذا المنكر بالمدعي حكما.
وإن كان مقصوده استفادة مجرد حكم تعبدي بحت، وهو أن الحلف كان على الأكثر بينة، لأن المنكر ذكر السبب، وبما أن هذا الحكم تعبدي بحت، فيمكن تقييده بما إذا لم يذكر المدعي أيضا السبب، فلا يقع تناف بين هذا الحديث وحديثي إسحاق بن عمار وغياث بن إبراهيم، فهذا أمر غير مفهوم عرفا من الحديث، فمجرد ذكر السبب - لولا التفسير الذي نحن شرحناه - يحمل عرفا على المثالية البحتة ولا خصوصية لذكر السبب.
وقد تلخص مما ذكرناه: أن بينة المنكر إن لم تعارض ببينة المدعي لا أثر لها، وإن عورضت ببينة المدعي وصلت النوبة إلى يمين المنكر، وإن كانت إحدى البينتين أكثر عددا ففي حالة واحدة يكون اليمين على صاحب البينة الأكثر عددا، وهي الحالة التي شرحناها.