من كتاب بني أمية فقال لي: استأذن لي على أبي عبد الله عليه السلام فاستأذنت له فأذن له، فلما أن دخل سلم وجلس ثم قال: جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا وأغمضت في مطالبه إلى أن قال فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي مخرج منه قال إن قلت لك تفعل قال أفعل قال فأخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به " الحديث.
فإن مقتضى اطلاقها جواز التصدق بلا فحص، والحمل على مورد اليأس عن معرفة صاحبه كالحمل على عدم معرفته بعد الفحص خلاف الظاهر.
نعم لا يبعد انصرافه عن مورد يعلم بالعثور عليه بالفحص سيما إذا علم بمعرفته بالفحص قليلا وبالجملة أن ترك الاستفصال دليل العموم بل ذيلها دال على عدم لزوم الفحص إذ من البعيد بل غير الممكن أنه كان تفحص عن صاحب الأموال الكثيرة والأشخاص المتفرقة ويئس عن معرفتهم في أشهر قلائل، مع أن عدم ذكره الفحص دليل العدم.
والعمدة هي ترك الاستفصال والاطلاق وإلا فمن الممكن المناقشة في حجية قول الراوي في بقائه أشهر قلائل. والانصاف تمامية دلالتها لولا ضعف سندها.
إلا أن يقال لا معنى للاطلاق وترك الاستفصال في المقام لأنه قضية شخصية يحتمل علم الإمام عليه السلام بالواقعة وأن المورد لا يجب فيه الفحص " فتدبر ".
وأما سائر الروايات ففي اطلاقها اشكال.
كصحيحة محمد بن مسلم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه قال: لا يصلح ثمنه " إلى أن قال: " ثم قال أبو عبد الله (ع) إن أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدق بثمنها ".
فإن الظاهر أنه بصدد بيان أفضلية هذه الخصلة من غيرها فكأن له خصالا معهودة هي أفضلها، لا بصدد بيان وجوب التصدق، وكيف كان لا اطلاق فيها كما لا يخفى، ومنه يظهر الكلام في رواية أبي أيوب (2).