يلاحظ عليه: أن الاختلاف في الإمامة بعد أيام الخلفاء وإن أصبح اختلافا كلاميا، فذهبت الشيعة إلى أنها تنصيصية والسنة إلى غيرها، لكن الاختلاف يوم ارتحل الرسول لم يكن اختلافا في قاعدة دينية، وجدالا في مسألة كلامية بل كان جدالا سياسيا محضا، لم يكن مبنيا على قاعدة دينية، إذ كان علي عليه السلام وأهل بيت النبي ولفيف من شيعة الإمام بعيدين عن السقيفة وما جرى فيها، مشغولين بتجهيز النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الأنصار فكانوا يرون أنفسهم أولى بإدارة الأمور لأنهم آووا النبي ونصروه، وكان المهاجرون يرون أنفسهم أولى بها لأنهم أصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعشيرته، من دون أن يبحث أحد من الفئتين عن القاعدة الدينية في مجال الإمامة، وأنها هل هي التنصيص، أو الشورى أو غيرهما، وما هو الملاك فيها؟ بل كانت هذه الأمور مغفولا عنها يوم ذاك، وكان الهدف هو تسنم منصة الخلافة وتداول كرتها بين أبنائهم وعشيرتهم، حتى لو لم تكن حكومة الرسول حكومة دينية وكان الرسول قائدا بشريا مات عنها، لقام المهاجرون والأنصار بنفس ذلك الجدال، وكل سعى إلى جر النار إلى قرصه.
فما في أكثر الكتب الكلامية من تصوير الاختلاف في مسألة الإمامة، اختلافا كلاميا ناشئ عن النظر إليها فيما بعد السقيفة، وأما إذا نظرنا إليها من منظار المهاجرين والأنصار، فالاختلاف بينهم لم يكن نزاعا كلاميا ودينيا بل سياسيا بحتا، مبنيا على تناسي النص، وتصوير الخلافة الإسلامية كخلافة موروثة من القائد لأمته، وإلا فلو كان النزاع على أساس ديني، لما كان للاختلاف مجال، وكفتهم هتافات الرسول في بدء الدعوة، ويوم ترك المدينة لغزوة تبوك، ويوم الغدير وغيرها.
وإليك نماذج من بدايات المسائل الكلامية في القرنين الأولين: