قال الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه " نظرية الإمامة ": إن معاوية لم يكن يدعم ملكه بالقوة فحسب، ولكن بإيديولوجية تمس العقيدة في الصميم، فلقد كان يعلن في الناس أن الخلافة بينه وبين علي عليه السلام قد احتكما فيها إلى الله، وقضى الله له على على، وكذلك حين أراد أن يطلب البيعة لابنه يزيد من أهل الحجاز أعلن أن اختيار يزيد للخلافة كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة في أمرهم، وهكذا كاد يستقر في أذهان المسلمين، أن كل ما يأمر به الخليفة حتى لو كانت طاعة الله في خلافه (فهو) قضاء من الله قد قدر على العباد (1).
وقد سرت هذه الفكرة إلى غير الأمويين من الذين كانوا في خدمة خلفائهم وأمرائهم فهذا عمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الإمام الشهيد الحسين عليه السلام لما اعترض عليه عبد الله بن مطيع العدوي، بقوله: اخترت همدان والري على قتل ابن عمك، فقال عمر: كانت أمور قضيت من السماء، وقد أعذرت إلى ابن عمي قبل الوقعة فأبى إلا ما أبى (2).
ويظهر أيضا مما رواه الخطيب عن أبي قتادة عندما ذكر قصة الخوارج في النهروان لعائشة، فقالت عائشة: ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " تفترق أمتي على فرقتين تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم، يحفون شواربهم، أزرهم إلى أنصاف سوقهم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقتلهم أحبهم إلي، وأحبهم إلى الله ". قال فقلت: يا أم المؤمنين فأنت تعلمين هذا، فلم كان الذي منك؟! قالت: يا أبا قتادة وكان أمر الله قدرا مقدورا وللقدر أسباب (3).