وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمتها شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشئ من ذلك وهو يرثيني في وجعي، غير أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللطف الذي كنت أرى من حين اشتكي إنما يدخل فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ فذلك يحزنني ولا أشعر بالسر - إلى أن قالت: - استأذنت رسول الله إلى بيت أبي فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجئت أبوي وقلت لا مي: يا أماه ماذا يتحدث الناس؟ فقالت: أي بنية هوني عليك، فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، قلت: سبحان الله أوقد يحدث الناس بهذا؟ قالت: نعم، فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا اكتحل بنوم.
ثم أصبحت أبكي، ودعى رسول الله أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب عليه السلام حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذي علم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا، فأما علي بن أبي طالب - عليه أفضل الصلوات - فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثيرة، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بريرة، فقال: يا بريرة! هل رأيت شيئا يريبك من عائشة؟ قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها.
قالت: وأنا والله أعلم أني بريئة، وما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله رؤيا يبرئني الله بها، فأنزل الله تعالى على نبيه وأخذه ما كان يأخذه من برحاء الوحي حتى أنه لينحدر عنه مثل الجمان من العرق في اليوم الثاني من ثقل القول الذي أنزل عليه، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك، فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا