الدور عبارة عن كون الشئ موجدا لشئ ثان، وفي الوقت نفسه يكون الشئ الثاني موجدا لذاك الشئ الأول. وهذا باطل لأن مقتضى كون الأول علة للثاني، تقدمه عليه وتأخر الثاني عنه: ومقتضى كون الثاني علة للأول تقدم الثاني عليه. فينتج كون الشئ الواحد، في حالة واحدة، وبالنسبة إلى شئ واحد، متقدما وغير متقدم، ومتأخرا وغير متأخر. وهذا هو الجمع بين النقيضين، وبطلانه كارتفاعهما من الضروريات البديهية.
فينتج أن الدور وما يستلزمه محال.
ولتوضيح الحال نمثل بمثال: إذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة واشترط كل واحد منهما لإمضائها، إمضاء الآخر، فتكون النتيجة توقف إمضاء كل على إمضاء الآخر. وعند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلى يوم القيامة، لما ذكرنا من المحذور.
وهاك مثالا آخر: لو أراد رجلان التعاون على حمل متاع، غير أن كلا يشترط في إقدامه على حمله إقدام الآخر. فلن يحمل المتاع إلى مكانه أبدا.
وأما التسلسل فهو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل والمعاليل الممكنة، مترتبة غير متناهية، ويكون الكل متسما بوصف الإمكان بأن يتوقف (أ) على (ب)، والثاني على (ج)، والثالث على رابع، وهكذا دواليك تتسلسل العلل والمعاليل من دون أن تنتهي إلى نقطة.
وباختصار: حقيقة التسلسل لا تخرج عن حدود ترتب علل ومعاليل، تكون متناهية من جانب أعني آخرها وغير متناهية من جانب آخر، أعني أولها. وعلى ذلك، يتسم الجزء الأخير بوصف المعلولية فقط بخلاف سائر الأجزاء، فإن كلا منها مع كونه معلولا لما فوقه، علة لما دونه، فالمعلولية وصف مشترك بين الجميع، سائدة على السلسلة وعلى أجزائها كلها بخلاف