إن معلولية الأجزاء التي لا تنفك عن معلولية السلسلة آية التعلق بالعلة، وعلامة التدلي بالغير، وسمة القيام به. فما هي تلك العلة التي تتعلق بها الأجزاء؟ وما ذاك الغير الذي تتعلق به السلسلة؟
وأنت إذا سألت كل حلقة عن حالها لأجابتك بلسانها التكويني بأنها مفتقرة في وجودها، متعلقة في جميع شؤونها بالعلة التي أوجدتها. فإذا كان هذا حال كل واحدة من هذه الحلقات، كان هذا أيضا حال السلسلة برمتها.
وعندئذ نخرج بهذه النتيجة: إن كل واحدة من أجزاء السلسلة معلولة، والمركب من المعاليل (السلسلة) أيضا معلول. والمعلول لا ينفك عن العلة، والمفروض أنه ليس هنا شئ يكون علة ولا يكون معلولا وإلا يلزم انقطاع السلسلة وتوقفها عن نقطة خاصة قائمة بنفسها أعني ما يكون علة ولا يكون معلولا، وهذا خلف.
فإن قلت: إن كل معلول من السلسلة متقوم بالعلة التي تتقدمه، ومتعلق بها، فالجزء الأول من آخر السلسلة وجد بالجزء الثاني، والثاني بالثالث، وهكذا إلى ما شاء الله من الأجزاء غير المتناهية والحلقات غير المحدودة. وهذا المقدار من التعلق يكفي في رفع الفقر والحاجة.
قلت: إن كل معلول، وإن كان يستند إلى علة تتقدمه ويستمد منها وجوده، ولكن لما كانت العلل في جميع المراحل متسمة بسمة المعلولية كانت مفتقرات بالذات، ومثل هذا لا يوجد معلوله بالاستقلال، ولا ينفض غبار الفقر عن وجهه بالأصالة، إذ ليس لهذه العلل في جميع الحلقات دور الإفاضة بالأصالة ودور الايجاد بالاستقلال بل دور مثل هذه العلل دور الوسيط والأخذ من العلة المتقدمة والدفع إلى معلوله، وهكذا كل حلقة نتصورها علة لما بعدها. فهي عند ذاك لا تملك شيئا بذاتها وإنما تملك ما تملكه من طرف العلة التي تتقدمها ومثلها حال العلل الأخرى من دون استثناء في ذلك. ومثل هذا لا يصير السلسلة ولا أجزاءها غنية بالذات بل تبقى على ما