أليس هذا التوازن الدقيق المبرمج في مظاهر الطبيعة والذي يؤدي أي تخلخل فيه إلى أضرار بالغة، دليلا قاطعا على وجود الخالق الخبير والإله المدبر وراء الطبيعة؟
5 - الماء هو المادة الوحيدة المعروفة التي تقل كثافتها عندما تتجمد، ولهذه الخاصية أهميتها الكبيرة بالنسبة للحياة إذ بسببها يطفو الجليد على سطح الماء عندما يشتد البرد، بدلا من أن يغوص إلى قاع المحيطات والبحيرات والأنهار، ويكون تدريجيا كتلة صلبة لا سبيل إلى إخراجها وإذابتها. والجليد الذي يطفو على سطح البحر يكون طبقة عازلة تحفظ الماء تحتها عند درجة حرارة فوق درجة التجمد، وبذلك تبقى الأسماك وغيرها من الحيوانات المائية حية، فإذا جاء الربيع ذاب الجليد بسرعة ولا عائق.
فهل يمكن إعزاء كل هذا الضبط والدقة في المقاييس والنسب إلى فعل المادة الصماء العمياء البكماء، والحال إنه يكشف عن تدبير وحساب ويحكي عن نظام متقن وعظيم ويدل على أن وراء كل ذلك خالق حكيم هو الذي أوجد هذا التوازن المدهش والضبط الدقيق.
أجل إن ذلك التوازن وهذا الضبط يشهدان على دخالة الشعور والحكمة والعقل في إدارة هذا العالم وتدبيره وتسييره وهي أمور لا تتوفر في الصدفة بل تتوفر في قوة عليا شاعرة هادفة تدرك مصلحة الكون واحتياجات الحياة إدراكا كاملا وشاملا، فتخضع الكون لمثل هذه الضوابط والعلاقات.