وعلى ضوء ذلك فالسنن والنظم، التي لم يتوفق العلم إلا لكشف أقل القليل منها، تثبت النظرية الأولى وهي احتضان العلة واكتنافها للشعور والعلم وما يناسبهما، وتبطل النظرية الثانية وهي قيام المادة الصماء العمياء بإضفاء السنن على نفسها بلا محاسبة ودقة بتخيل أن انفعالات كثيرة، حادثة في صميم المادة، انتهت إلى ذاك النظام المبهر تحت عنوان " الصدفة " أو غيرها من الصراعات الداخلية التي تلوكها ألسنة الماركسيين.
وعلى ذلك فكل علم من العلوم الكونية، التي تبحث عن المادة وخصوصياتها وتكشف عن سننها وقوانينها، كعملة واحدة لها وجهان، فمن جانب يعرف المادة بخصوصياتها، ومن جانب آخر يعرف موجدها وصانعها. فالعالم الطبيعي ينظر إلى واحد من الوجهين كما أن العارف ينظر إلى الجهة الأخرى والعالم الرباني ينظر إلى كلتا الجهتين ويجعل الأولى ذريعة للثانية. وبهذا نستنتج إن العلوم الطبيعية كلها في رحاب إثبات المقدمة الرابعة لبرهان النظم، وأن اكتمال العلوم يعين ذلك البرهان بأوضح الوجوه وأدق الطرق، وأن الاعتقاد بالصانع العالم القادر يصاحب العلم في جميع العصور والأزمان.
وفي الختام نركز على نقطتين:
الأولى: إن القرآن الكريم ملئ بلفظة " الآية " و " الآيات "، فعندما يسرد نظم الطبيعة وسننها، ويعرض عجائب العالم وغرائبه، يعقبه بقوله:
* (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) * أو * (يذكرون) * أو * (يعقلون) * إلى غير ذلك من الكلمات الحاثة على التفكر والتدبر، وهذه الآيات تعرض برهان النظم بأوضح أشكاله على لسان الفطرة، بدلالة آيوية (1) مشعرة بأن