من عقله وعلمه وشعوره، أو تجرده من تلك الكمالات والصفات وغيرها.
ولنوضح ذلك بمثال:
إن كتاب " القانون " المؤلف في الطب، كما له الدلالة الأولى وهي وجود المؤثر، له الدلالة الثانية وهي الكشف عن خصوصياته التي منها أنه كان إنسانا خبيرا بأصول الطب وقوانينه، مطلعا على الداء والدواء، عارفا بالأعشاب الطبية، إلى غير ذلك من الخصوصيات.
والملحمة الكبيرة الحماسية لشاعر إيران (الفردوسي) لها دلالتان:
دلالة على أن تلك الملحمة لم تتحقق إلا بظل علة أوجدتها، ودلالة على أن المؤلف كان شاعرا حماسيا مطلعا على القصص والتواريخ، بارعا في استعمال المعاني المتناسبة مع الملاحم. ومثل ذلك كلما تمر به مما بقي من الحضارات الموروثة كالأبنية الأثرية، والكتب النفيسة، والصنائع المستظرفة اليدوية والمعامل الكبيرة والصغيرة، إلى غير ذلك مما يقع في مرأى ومنظر كل إنسان، فالمهم في هذا الباب هو عدم الاقتصار على الدلالة الأولى بل التركيز على الدلالة الثانية بوجه علمي دقيق.
وعلى ضوء هذه القاعدة يقف العقل على الخصوصيات الحافة بالعلة، ويستكشف الوضع السائد عليها، ويقضي بوضوح بأن الأعمال التي تمتاز بالنظام والمحاسبة الدقيقة، لا بد أن تكون حصيلة فاعل عاقل، استطاع بدقته أن يوجد أثره وعمله، هذا.
كما يقضي بأن الأعمال التي تراعى فيها الدقة اللازمة والنظام الصحيح، تكون ناشئة عن عمل عامل غير عاقل، وفاعل بلا شعور ولا تفكير، فهذا ما يصل إليه العقل السليم بدرايته. ولتوضيح الحال نأتي بالمثالين التاليين:
المثال الأول: لنفترض أن هنا مخزنا حاويا لأطنان عدة من مواد البناء بما فيها الحجر والحديد والإسمنت والجص والخشب والزجاج والأسلاك