ماذا في السماوات والأرض) * (1) -، لكن لا بمعنى الوقوف عند هذا التعرف واتخاذه هدفا، بل بمعنى اتخاذ تلك المعرفة جسرا لمعرفة بارئها وخالقها، ومن أوجد فيها السنن والنظم.
إن الفرق الواضح بين تعرف المادي على الطبيعة وتعرف الإلهي عليها هو: إن الأول ينظر إلى الطبيعة بما هي هي، ويقف عندها من دون أن يتخذها وسيلة لتعرف آخر، وهو التعرف على مبادئ وجودها وعلل تكونها، في حين أن الإلهي، مع أنه ينظر إلى الظواهر الطبيعية مثلما ينظر إليها المادي ويسعى إلى التعرف على كل ما يسودها من نظم وسنن، فإنه يتخذها وسيلة لتعرف عال وهو التعرف على الفاعل الذي قام بإيجادها وإجراء السنن فيها، فكان النظرة في الأولى نظرة إلى ظاهر الموجود، وفي الثانية نظرة إلى الظاهر متجاوزا منها إلى الباطن.
وبعبارة أوضح، إن المادي يقتصر في عالم المعرفة، على معرفة الشئ ويغفل عن معرفة أخرى، وهي معرفة مبدأ الشئ من طريق آثاره وآياته، فلو اكتفينا في معرفة الظواهر بالمعرفة الأولى حبسنا أنفسنا في زنزانات المادة، ولكن إذا نظرنا إلى الكون بنظرة وسيعة وأخذنا مع تلك المعرفة معرفة أخرى وهي المعرفة الآيوية لوصلنا في ظل ذلك، إلى عالم أفسح مليء بالقدرة والعلم والكمال والجمال. وعلى ذلك فكل المظاهر الطبيعية مع ما فيها من الجمال والروعة ومع ما فيها من النظم والسنن آيات وجود بارئها ومكونها ومنشئها، وعند ذلك يتجلى للقارئ صدق ما قلنا من أن الطرق إلى معرفة الله بعدد الظواهر الطبيعية بدءا بالذرة وانتهاء إلى المجرة. ولأجل ذلك نرى أن رجال الوحي ودعاة التوحيد يركزون في معرفته سبحانه على الدعوة إلى النظر في جمال الطبيعة وروعتها فإنها أصدق شاهد