فكل ظاهرة مادية تتحقق تلو سبب خاص، وما هذا حاله يستحيل عليه التحقق الجمعي أو تقدم جزء منه أو تأخره بل لا مناص عن تحقق كل جزء في ظرفه وموطنه، وبهذا الاعتبار تشبه الأرقام والأعداد، فالعدد " خمسة " ليس له موطن إلا الوقوع بين " الأربعة والستة ". وتقدمه على موطنه كتأخره عنه مستحيل. وعلى ذلك فالأسباب والمسببات المترتبة بنظام خاص يستحيل عليها خروج أي جزء من أجزائها عن موطنه ومحله.
إذا عرفت هذا الأمر نرجع إلى بيان النكتة وهي ماذا يريد القائل من قوله لو كانت الإرادة صفة ذاتية لله سبحانه يلزم قدم العالم. فإن أراد أنه يلزم تحقق العالم في زمان قبله وفي فترة ماضية فهذا ساقط بحكم المطلب الأول، لأن المفروض أنه لازمان قبل عالم المادة لما عرفت من أن حركة المادة ترسم الزمان وتولده.
وإن أراد لزوم تقديم بعض أجزائه على البعض الآخر أو على مجموع العالم فقد عرفت استحالته، فإن إخراج كل جزء عن إطارة أمر مستحيل مستلزم لانعدامه.
ثم إن لصدر المتألهين في هذا المقام كلاما عميقا فمن أراد الاطلاع فليرجع إليه (1).