ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفورا، إنما يتزين إلي أوليائي: بالذل والخشوع والخوف والتقوى ". وقال الكاظم عليه السلام: " قال أبو ذر - رحمه الله -: جزى الله الدنيا عن مذمة بقدر رغيفين من الشعير، أتغدى بأحدهما وأتعشى بالآخر، وبعد شملتي الصوف، أتزر بإحداهما وأتردى بالأخرى ". وقال لقمان لابنه: " يا بني! بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا ". وقال له: " يا بني!
إن الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله عز وجل وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل على الله، لعلك ناج وما أراك ناجيا ". وقال: " يا بني! إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم، فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا، فاوف عملك واستوف أجرك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت، فكان حتفها عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها، ولم ترجع إليها آخر الدهر، أخربها ولا تعمر، فإنك لم تؤمر بعمارتها، واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله - عز وجل - عن أربع:
شبابك فيما أبليته. وعمرك فيما أفنيته: ومالك مما اكتسبته، وفيما أنفقته فتأهب لذلك، وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا. قال قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك وجد في أمرك واكشف الغطاء عن وجهك، وتعرض لمعروف ربك، وجدد التوبة في قلبك واكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك، ويقضى قضاؤك، ويحال بينك وبين ما تريد ".
وقال بعض الحكماء: " الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها. والجنة دار عمران، وأعمر منها قلب من يعمرها ". وقال بعضهم، " الدنيا لمن تركها، والآخرة لمن طلبها ". وقال بعضهم: " إنك لن تصبح في شئ من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك، ويكون له أهل بعدك، وليس لك من الدنيا إلا عشاء ليلة وغداء يوم، فلا تهلك نفسك في أكلة، وصم الدنيا، وأفطر على الآخرة، فإن رأس مال الدنيا الهوى، وربحها النار ".