ثم من الناس من ذهب إلى أنه لا إثم على الحسد ما لم تظهر آثاره على الجوارح، وعلى هذا ينحصر الحسد المحرم في القسم الأول. واحتج على ما ذهب إليه بما ذكرناه من قوله (ص): " ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن:
الحسد... ".، وبقوله (ص): " ثلاث في المؤمن له منهن مخرج، ومخرجه من الحسد ألا يبغي " والصحيح أن تحمل أمثال هذه الأخبار على القسم الثالث. وهو ما يكون فيه ارتياح النفس بزوال النعمة طبعا، مع كراهة له من جهة العقل والدين، حتى تكون هذه الكراهة في مقابلة حب الطبع. إذ أخبار ذم الحسد تدل بظاهرها على أن كل حاسد آثم، والحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الأفعال الظاهرة. وعلى هذا المذهب، لا يكون إثم على صفة القلب، بل إنما يكون على مجرد الأفعال الظاهرة على الجوارح.
فقد اتضح بما ذكر، إن الأحوال المتصورة لكل أحد بالنسبة إلى أعدائه ثلاثة: الأولى: أن يحب مساءتهم، ويظهر الفرح بمساءتهم بلسانه وجوارحه أو يظهر ما يؤذيهم قولا أو فعلا، وهذا محظور محرم قطعا، وصاحبه عاص آثم جزما. الثانية: أن يحب مساءتهم طبعا، ولكن يكره حبه لذلك بعقله، ويمقت نفسه عليه، ولو كانت له حيلة في إزالة ذلك الميل لأزاله.
وهذا معفو عنه وفاقا، وفاعله غير آثم إجماعا. الثالثة: وهي ما بين الأوليين:
أن يحسد بالقلب من غير مقته لنفسه على حسده، ومن غير إنكار منه على قلبه، ولكن يحفظ جوارحه عن صدور آثار الحسد عنها، وهذا محل الخلاف. وقد عرفت ما هو الحق فيه.
وصل النصيحة قد عرفت أن ضد الحقد والحسد (النصيحة)، وهي إرادة بقاء نعمة الله للمسلمين، وكراهة وصول الشر إليهم. وقد تطلق في الأخبار على إرشادهم إلى ما فيه مصلحتهم وغبطتهم، وهو لازم للمعنى الأول. فينبغي أن نشير إلي فوائدها وما ورد في مدحها، تحريكا للطالبين على المواظبة عليها ليرتفع بها ضدها.
إعلم أن من أحب الخير والنعمة للمسلمين كان شريكا في الخير، بمعنى