يقدر ما يخرج أحدهما يدخل الآخر وبالعكس.
ومنها:
الغنى وهو وجود كل ما يحتاج إليه من الأموال، وهذا أقل مراتبه، وفوق ذلك مراتب لا تحصى، حتى ينتهي إلى جمع أكثر أموال الدنيا، كما اتفق لبعض الملوك.
ثم (الغني) إما أن يكون بحيث يسعى في طلب المال وجمعه ويتعب في تحصيله ويكره خروجه عن يده ويتأذى به، وهذا غني حريص. أو يكون بحيث لا يتعب ولا يسعى في تحصيله، إلا أنه لما أتاه أخذه وفرح به، مع تأذيه بفقده وكراهته له، وهذا أيضا لا يخلو عن الحرص لحزنه بفقده.
أو يكون بحيث لا يتعب في طلبه ولا يرغب فيه رغبة يفرح بحصوله ويتأذى بفقده، ولكن لما أتاه رضي به: إما مع تساوي وجوده وعدمه أو مع كون وجوده أحب إليه من عدمه، ومثله الغني الراضي والقانع.
وأيضا الغني إما أن يكون جميع ماله حلالا، أو يكون بعضه أو كله حراما.
وأيضا إما يمسكه غاية الامساك، بحيث لا يؤدي شيئا من حقوقه الواجبة والمستحبة، أو ينفقه في مصارفه اللائقة. وللإنفاق مراتب شتى:
أدناها أن يؤدي الحقوق الواجبة، وأعلاها أن يبذل كل ما يزيد عن أقل مراتب الغنى، بحيث لو تعدى عنه يسيرا صار فقيرا.
فصل ذم الغنى الغنى الحاصل من الحلال، مع بذل ما يفضل عن أقل مرتبته في المصارف اللائقة ومساواة وجوده وعدمه عند صاحبه، سالم من الآفات والأخطار.
وغير ذلك من أقسامه لا يخلو عن آفة أو خطر، وحبه بعض أفراد حب الدنيا، بل هو راجع إلى حب المال بعينه. فيدل على ذمه ما ورد في ذمهما.
وقد ورد في ذمه بخصوصه بعض الآيات والأخبار، قال الله سبحانه:
" إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى " (46).