" أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " (15).
ويقال له: يا خائن! أتطالب خلقي بما خنت به نفسك وأرخيت عنه عنانك! ". وكذا حمل عليه قول الصادق عليه السلام (16): " صاحب الأمر بالمعروف يحتاج إلى أن يكون عالما بالحلال والحرام، فارغا من خاصة نفسه مما يأمرهم به وينهاهم عنه، ناصحا للخلق، رحيما لهم، رفيقا بهم داعيا لهم باللطف وحسن البيان، عارفا بتفاوت أخلاقهم، لينزل كلا منزلته بصيرا بمكر النفس ومكائد الشيطان، صابرا على يلحقه، لا يكافيهم بها ولا يشكو منهم ولا يستعمل الحمية ولا يغتلظ لنفسه، مجردا نيته لله، مستعينا به ومبتغيا لوجهه، فإن خالفوه وجفوه صبر، وإن وافقوه وقبلوا منه شكر، مفوضا أمره إلى الله، ناظرا إلى عيبه ".
(تنبيه) إعلم أن المحتسب عليه - أعني من يؤمر به أو ينهى عنه - وإن اشترط كونه عاقلا بالغا، إلا أن هذا الشرط إنما هو في غالب الأوامر والنواهي، وبعضها لا يشترط فيه ذلك. إذ من رأى صبيا أو مجنونا يشرب الخمر، وجب عليه أن يمنعه ويريق خمره. وكذا إن رأى مجنونا يزني بمجنونة أو بهيمة، فعليه أن يمنعه منه، ولا يلزم منه أن يكون منع بهيمة عن إفساد زرع إنسان حسبة ونهيا عن منكر، إذ لا يصدق اسم المحتسب عليه والمنهي إلا على من كان الفعل الممنوع عنه في حقه منكر، وهو لا يكون إلا الإنسان دون سائر الحيوانات.
وصل مراتب الأمر بالمعروف إعلم أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب:
الأولى - الإنكار بالقلب: بأن يبغضه على ارتكاب المعصية. وهذا مشروط بعلم الناهي وإصرار المنهي، ولا يشترط بالشرطين الأخيرين.
الثانية - التعريف: بأن يعرف المرتكب للمنكر بأنه معصية، فإن بعض الناس قد يرتكب بعض المعاصي لجهلهم بأنه معصية، ولو عرف كونه معصية تركه.