ثم ينبغي أن يعلم المغتاب أن الغيبة تحبط حسناته وتزيد في سيئاته، لما ثبت من الأخبار الكثيرة: أن الغيبة تنقل حسنات المغتاب يوم القيامة إلى من اغتابه، وإن لم تكن له حسنة نقل إليه من سيئاته. قال رسول الله (ص): " يؤتى بأحدكم يوم القيامة، فيوقف بين يدي الله تعالى، ويدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي، فإني لا أرى فيه طاعتي، فيقول له: إن ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس. ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي، فإني ما عملت هذه الطاعات، فيقول له: إن فلانا اغتابك فدفعت حسناته إليك ". وفي معناه أخبار أخر. ولا ريب في أن العبد يدخل النار بأن تترجح كفة سيئاته، وربما تنقل إليه سيئة واحدة مما اغتاب به مسلما، فيحصل به الرجحان ويدخل لأجله النار. وأقل ما في الباب أن ينقص من ثواب صالحات أعماله، وذلك بعد المخاصمة والمطالبة والسؤال والجواب والمناقشة في الحساب. وروي عن بعضهم: " أن رجلا قيل له: إن فلانا قد اغتابك، فبعث إليه طبقا من رطب، وقال: بلغني أنك قد أهديت إلي من حسناتك، فأردت أن أكافيك عليها، فاعذرني، فإني لا أقدر أن أكافيك على التمام ".
والحاصل: أن العاقل ينبغي أن يتأمل في أن من يغتابه إن كان صديقا ومحبا له، فإظهار عيوبه وعثراته بعيد من المروة والإنصاف، وإن كان عدوا له، فتحمل خطاياه ومعاصيه ونقل حسناته إلى ديوانه غاية الحماقة والجهل.
فصل علاج الغيبة الطريق في علاج الغيبة وتركها، أن يتذكر أولا ما تقدم من مفاسدها الأخروية، ثم يتذكر مفاسدها في الدنيا، فإنه قد تصل الغيبة إلى من اغتيب، فتصير منشأ لعداوته أو لزيادة عداوته، فيتعرض لإيذاء المغتاب وإهانته، وربما انجر الأمر بينهما إلى ما لا يمكن تداركه من الضرب والقتل وأمثال ذلك. ثم يتذكر فوائد أضدادها - كما نشير إليها - وبعد